"ليت ما حصل لم يحصل" "وياريت يلي صار ما صار" بقلم معتز أبوكلام

"ليت ما حصل لم يحصل" "وياريت يلي صار ما صار"

إنها أكثر عبارة تشبهنا.. تربت معنا..كبرت معنا.. شاطرتنا الأفراح والأحزان.. كانت جزء من ألعابنا وكتبنا.. حجبت كثيراً من أحلامنا وتسببت كثيرا في آلامنا.. عبارةٌ تختزل ندماً على ما فات لطالما يرددها المرء من حين لأخر وهو يندب حظه على شيئ حصل أو شيئ فاته،

عبارة.. ربما امضينا عمراً بأكمله، وهي تلازم شفاهنا وموهجنا لا تبرحهما وكأنها قدر محتوم.. يكاد لا يوجد إنسان إلا ووقف لحظة أو سنين أمام تلك المرآة، مرآة الندم والتحسر، من حين لآخر ليسترجع أمور حصلت معه وتمنى لو أنها لم تحصل، أو أمور آخرى لم تحصل وتمنى لو أنها حصلت. هل فُطرنا على هذه الشاكلة؟ هل حُكم علينا حكما مؤبداً بالندم!!؟ أم أننا فعلا نحصد من حين لآخر نتائج تقصيرنا وتفريطنا وقلة خبرتنا وتعقلنا!!؟

يمضي طالب جامعي سنين الدراسة ويتخرج ثم يقف حائراً يقول ليتني اخترت فرعاً آخر أو تخصصاً آخر!! وتاجر يرصد رأس مال كبير في تجارة بملئ إرادته ثم يأكل أصابعه ندماً، لو أنه وضعها في تجارة آخرى أو لو أنه لم يقدم على ذلك أصلاً.

رجل أو امرأة تتحسر.. فاتها قطار العمر وداهمها الكبر ولم تتأهل أو تتزوج.. وآخر أو آخرى تزوجت وأنجبت وبعد سنين العمر.. تندب حظها.. تقول ليتني لم أفعل أو ليتني تزوجت بآخر ولسان الزوج يقول أكثر..

ثم يعتريك ألم ما بعده ألم، أمام شعوب ثارت بأكملها، ودفعت ثمناً غالياً مغمساً بدمها وكرامتها.. آتراها أيضاً تقول ليتنا لم نفعل!! ربما.. وأقول ربما.. لأن المنطق يقول إذا زاد الثمن عن حد الطلب و""بكثير"" فالأولى تأجيل الطلب وإلا كان الطلب انتحاراً وما أكثر المنتحرين.

ثم نلتفت لنرى حكاماً ونظاماً عالمياً مستكبراً، مرغ انوف شعوب بأكملها ولم يبالي بقيم الحرية والكرامة التي لطالما صدع رؤوسنا بها، ومع ذلك لا شك أن اولئك أيضاً نادمون وفي أروقتهم يتهامسون.. يقولون ليتنا لم نفعل.. ليس حزناً على من قُتل وتشرد ولكن لأنهم عرفوا حق المعرفة بأنهم خسروا المعركة إنسانياً وسياسياً وأنهم منهزمون أخلاقياً وأنهم قد وقعوا في شر أعمالهم. فمن تشرد من موطنه.. لجئ إلى شطآنهم الباردة وحل ضيفاً وعباً ثقيلا على شعوبهم وأوطانهم ولا "ولات حين مناص".

قائمة الندم والتحسر البشري لا تنتهي، فكل إنسان منا يحمل في خباياه جعبة ندم.. وجعبة آلم.. ولكن السؤال الذي يراود المرئ: لو أن ما حصل لم يحصل، وحصل أمر آخر غيره، هل كانت ستختفي من حياتنا عبارة الندم تلك!! أم أنها عبارة أزلية خلقت وزرعت في بني الإنسان لتجعله دوماً في حالة غليان ورفض وثورة على ما كان وما سيكون. لعل هذا قدر محسوم والفلسفة هنا ممنوعة من الكلام. ولكن العقل يتدخل أحياناً ليقول، ربما كان بالإمكان أن نخفف أو نقلل من حجم الألم والندم، لو أننا جميعاً أخذنا وقتنا في التفكير وتقليب الأمور قبل الإقدام على أي عمل مهما كان شأنه..سواء كان زواج رجل بإمرأة.. أو ثورة إنسان.

بقلمي

معتز أبوكلام

صباح اليوم ١٩ كانون الثاني يناير مدينة ميسيساغا- تورونتو - كندا. درجة الحرارة تشير إلى (١٢ تحت الصفر) والحياة ما تزال تريد الإستمرار..

مواضيع ذات صلة