جيانا عيد لـ

جيانا عيد لـ"أيّام كنديّة": الهدف هو الإنسان ... والمثقف يعول عليه كثيراً في هذه اللحظة الفنانة الثريّة وعياً وأداءاً

عامر فؤاد عامر

نجدها خلال مسيرتها الفنيّة كثيرة الحسابات، وانتقائيّة للأدوار التي ستجسّد، وتقدّس المهنيّة الحقّة التي تتلازم ومسؤوليّة الفنان، ويبقى إحساسها حاضراً على الدّوام، وهي من الشخصيّات الحريصة في استزادة الوعي وصولاً إلى الحلول، وعرض المشاكل المستعصية بهدف إلغائها، وكلّ هذه التراكيب تجعلها أكثر غنى من غيرها، وكما تقول القاعدة الأرسطويّة: "الاستمتاع بالعمل يضفي عليه المثاليّة". تَعُدُّ الفنانة جيانا عيد هاجسها الأساسي الإنسان، وسلاحه في الحياة الكلمة، والمفهوم الجميل، وكلّ ذلك للارتقاء بالمجتمع وبذلك سيكون الفنان قد حقق قيمة سامية، وقوّة مؤثرة، سواء كان ممثلاً أو كاتباً أو مخرجاً أو رساماً أو موسيقيّاً أو راقصاً، وتضيف: "إذا كان هناك من شيء خاطئ أو غير سوي، علينا أن نشير إليه وبطريقةٍ متوازنةٍ، وجميلةٍ، وهذا ما يحثّ الشخص موقع الخطأ للتفكير بها متأمّلاً ومعيداً حساباته من جديد". يعوّل في مثل هذا الوقت على شخصيّاتٍ واعيةٍ صادقةٍ ومحبّةٍ مثل هذه الفنانة التي تجعل من ضميرها قائداً في كلّ شيء، بعيداً عن الغرور والبهرجة والاستعراض، ومن هنا يبدو حال الانتقاء لديها صفةً ضروريّة لا يمكن التخلّي عنها، ومروراً بالشخصيّات التي قدّمتها يمكن ملاحظة النوعيّة التي تستقطبها، وتجعلها أكثر شجاعة لخوض غمار التجربة، وهذا ما يذكرنا بشخصيّة "عنود" في فيلم "الميلاد" الشخصيّة الأولى التي جسّدتها فور تخرجها من المعهد العالي للفنون المسرحيّة في دمشق، والتي تعاطف الناس معها كثيراً، فهي الفتاة الخرساء التي تضجّ تصرفاتها بالكلمات والأحاديث، وبقيت أيقونة يتابعها المتلقي بشغفٍ سنواتٍ طويلة. نجدها مقلّةً في الظهور التلفزيوني وغير مهتمّة بكثافة الرصيد، لكن على الرغم من ذلك أدوارها أوصلتها أولاً إلى الصف الأوّل على مستوى الوطن العربي، فباتزانها وهدوءها استطاعت أن تكون حقيقيّة ولا يجادل على موهبتها اثنين، ولا على تفوقها وخصوصيّتها، وتقول الفنانة جيانا: "كان فيلم "حادثة النصف متر" للمخرج سمير ذكرى هو العتبة الواضحة بقوّة التي عُرفت من خلالها عربيّاً على صعيد السينما"، لكن "عيد" رفضت العديد من العروض التي تدفقت باتجاها، ومنها عروض سينمائيّة من دول غربيّة بعد عرض هذا الفيلم، فلم تغيّر المعايير التي اعتمدتها وحافظت على أصالتها ولم يهزّها بريق العالميّة، فإمّا أن يأتي الدّور الذي يليق أو أن يكون مسألةً لا يمكن الوقوف عندها أبداً. وبالحديث عن أدوارها السينمائيّة نعرّج أيضاً على، لطيفة الذي لا يمكن أن ننساه في "المتبقي" للمخرج الإيراني سيف الله داد، وأدائها لشخصيّة فلسطينيّة مؤثرة في الحضور والمعنى، وأيضاً شخصيّتها في فيلم "حسيبة" للمخرج ريمون بطرس، وفي "رسائل الكرز"، و"القلب"، و"الفخ". لكن في دواخلها يشغلها الهمّ المسرحي أكثر، فهي من ناحية خريجة الدفعة الثانية من أكاديميّة المسرح 1983 والأولى في تحصيلها على أبناء دفعتها، وقدّمت العديد من الأعمال المسرحيّة التي وصلت من خلالها لتكون سيدة أولى من سيدات المسرح القومي في دمشق،

ونذكر من أعمالها: "عزيزي مارات المسكين"، و"جيسون وميديا"، "التنكة"، "حلاق بغداد"، "بحر"، "حكاية فاسكو"، "البيت ذو الشرفات السبع"، و"شوباش"، و"منزل بلا شرفات"، وغيرها، وعنه تذكر: "المسرح خاصّ وأكثر وسيلة فنيّة حيّة يتحدّث عن شخوص مباشرة، وعوالم تتصارع مع بعضها على الخشبة، فهو صراع ناسٍ، وطبقات في جرعةٍ مكثّفة من الآلام والهموم، والمشاعر، والطموحات البشريّة، عبر قصّة تولّد رسائل متبادلة بين المؤثر والمتأثر، فالحوار هنا يولّد تلاقي وحميمية غير مباشرين، لتصعد مع الإحساس إلى المتلقي ويفجّر لحظاتٍ فكريّةٍ، ويدخل المتلقي في الرواية ويتحد العام مع الخاصّ ..."، كما أن مرحلةً مميّزةً في رحلتها المسرحيّة كانت من خلال العمل الإداري في المعهد العالي للفنون المسرحيّة، الأكاديميّة الأمّ التي ولدت منها جيانا بألقها، فقد عادت إليها لتكون رئيس قسم التمثيل فيها، ثم عميدةً للمعهد العالي للفنون المسرحيّة مع نهاية 2016 وإلى نهاية 2018، ويمكن اعتبارها مرحلة دقيقة سيّما وأن الحرب تراجعت بالمستلزمات المُمكنة والمُتاحة لصلاحيّات الإدارة، لكنها استطاعت أن تكون القدوة المشرّفة للجميع بضميرها الحيّ، ومقدرتها على الإحاطة بالأمور، وسعيها لإيجاد الحلول لأيّ مشكلة واردة، فكانت شُجاعة، وعلى دراية بشؤون الإدارة المُرهقة، في أصعب مرحلة يمر بها المعهد العالي للفنون المسرحيّة. المزيد من التفاصيل يمكن ذكرها عن شخصية جيانا عيد، فأدوارها في الدّراما التلفزيونيّة كانت مميّزة وثريّة، وبحاجة إلى بحثٍ مطوّل، وهناك علامات فارقة لا يمكن نسيانها في مسلسلات مثل: "الدغري"، "الطبيبة"، "أمانة في أعناقكم"، "ليل المسافرين"، "هولاكو"، "بانتظار الياسمين"، "البيوت أسرار"، "حائرات" وآخرها "روزنا"، وسيكون لنا حديث مفصل عنها في مرحلةٍ قادمة.

مواضيع ذات صلة