الأيقونة الإنسانة والصوت الدافئ عبر أثير الوطن والمهجر الإعلامية هيام حموي

"هيّام حموي" لأيّام كنديّة: استمتعوا بما حملتموه من سوريّتكم في كندا الصوت الجميل له مفعول رائحة زهرة الغاردينيا

حوار وتقرير عامر فؤاد عامر

يُعدُّ البحثُ عن مفرداتٍ تصوغ عطائها في مادّةٍ صحفيّةٍ مهمّةً شاقّة، على اتساع اللغةِ العربيّة وغناها! لأن انتقاء المعاني قد لا يفي بالغرض هنا! فأكثر من خمسين عاماً على العمل الإذاعي لا يستحق فقط مقالاً مزداناً بعبارات التقدير، والامتنان، والمحبّة، بل يحتاج أبعد من ذلك بكثير. خبرتها اليوم تقودنا لأن تكون في مصافي مَدْرَسَةٍ ناجحةٍ نتعلم منها المزيد، ونضعها في ميدان رحلة إنسانٍ سوريٍّ جديد، وضع بصمته الخاصّة في مجال العمل الإذاعي، فمن إذاعة دمشق إلى مونتكارلو الدّوليّة فالشرق من باريس وعودة إلى دمشق من جديد وإذاعة شام F.M.

عند لقائها الذي يشبه الصدفة المُفتعلة، قالت لصديقنا الجميل الذي جمعنا في نفس التوقيت الدّمشقي: "لقد أوقعتني في الفخ إذاً؟!" لكنها تبعت ذلك بضحكةٍ سعيدة، لأنها تُدرك أن الأمر ناجمٌ عن محبّةٍ واهتمامٍ بـ"هيام حموي" الشخص الذي أصفه الآن بالعارف الحنون. سألتها في بداية الحوار، كيف يمكن لمذيع اليوم أن يكون هيام حموي؟ فكانت إجابتها: "هذا الأمر صعب التحقيق اليوم، ليس لسبب هيام حموي كمذيعة، ولكن السبب مرتبط بصبغة المؤسّسات الإعلاميّة الحاليّة، فهي لم تعدْ ترغب بهذا النمط، فقد تغيّر الزمن كثيراً، ولم يعدّ القائمين على هذه المؤسّسات على رغبةٍ بالأسلوب المُرتّب، وبمن يبحث عن الجمال في حياتنا، بل باتوا يبحثون عن الإثارة كثيراً ، وما يجذبُ أكثر، وما يجمعُ إعجاباتٍ أكثر، بلغة هذا العصر "الكليك واللايك" وغيرها.

هيام حموي اليوم مخزونٌ نادرٌ في حياتنا المهنيّة، الصحفيّة الإذاعيّة، تمتلك من التجربة ما لا يملكه مهنيّ على وجه الأرض، في ذاكرتها مخزونٌ حيّ لعددٍ لا يقدّر من لقاء الشخصيّات المبدعة، على تنوّع مجالات الإبداع الإنساني، ولا بدّ لهذا الثراء أن يحمل مشاريع خاصّة، لذلك كان سؤالي عن إحدى هذه المشاريع، وهو إنشاء "متحف الصوت" وأين وصلت في إنجازه، فقالت: "بعد وصولنا للسنة التاسعة في الحرب، يصبح "متحف الصوت" مشروعاً مؤجّلاً لتسع سنواتٍ قاسية، أتمنى من كلّ قلبي بعد انتهاء هذه الحرب، أن أتمكن من إنجاز هذا المتحف، وشخصيّاً لديّ الرغبة في لفتِ الانتباه إلى أهميّة الصوت في حياتنا، فالصوت الحلو يعطي مفعوله كما مفعول رائحة زهرة الغاردينيا على سبيل المثال، وكلّ حاسّة من حواسنا البشريّة تستمتع بطريقتها الخاصّة، واليوم لا أكثر من الصريخ والصريخ...". نستطرد معاً في الخصوصيّة المهنيّة ومشاريع التجربة الذاتيّة، ومنها تجربة الكتابة، فهيام صاحبة إحساس وتعبير لا يستهان بهما، وملايين الآذان سكنت سلاماً في بوح صوتها لنا، فماذا عن بوحها في كتابة الرواية، وعن ذلك تتحدّث:

"لا أكتفي بعيش الحدث من دون أن أفهم أبعاده، وبداية الرغبة في كتابة رواية كان منذ أربعين عاماً، ولكن اليوم أصبحتُ على درجةٍ من الوعي والفهم يجعلاني أدرك وأعي تسلسل أحداث حياتي، وبذلك ستكون روايتي أفضل بكثير مما لو كتبتها وأنجزتها من ثلاثين أو أربعين عاماً، لأنني فهمتُ الأبعاد. كثير من الأسئلة يتطرق إليها المرء في حياته، وهناك أسئلة رافقت أجيال عديدة، ما تزال إلى اليوم في تنازعٍ بين عديدٍ من الإجابات، وفي روايتي أتطرق لهذه الأسئلة وأعتقد أنني صغت أجوبةً نهائيّةً لها". عاشرت هيام جنسياتٍ كثيرة، وتآلفت مع التنوّع البشري وفهمت كيف يفكر الآخر سواء أكان صديقاً أم عدوّاً، فكانت رحالة سوري في معظم سنوات حياتها، وما زالت اليوم من خلال صوتها عبر الأثير من الشام لكلّ أصقاع العالم، وفي خصوصيّة حوارنا اليوم طلبنا منها كلمةً خاصّة للسوريين القاطنين في كندا، فكانت هذه العبارة لهم منها عبر منبر "أيّام كنديّة": "استمتعوا بما حملتموه من سوريّتكم في كندا، بل استمتعوا ما استطعتم".

مواضيع ذات صلة