أمانة يا إبني لا تكبو... قصة مُبكية/ أيام كندية

منذ أيام أخبرني صديقي أنه اشترى جراباً صوفياً مشغولاً بيد امرأة عجوز بألف ليرة، صمت قليلاً ليسمع رأيي، وعندما قلت له مازحاً، ستوفر الكثير من المازوت هذا الشتاء. صمت، وبدأت أسمع حشرجة خفيفة عبر الهاتف، ثم وصلني صوته مخنوقاً، لينفجر بعد قليل ببكاء فاجع.
عندما هدأ بعد مناشدتي له مراراً أن يهدأ ويخبرني، حكى لي قصة الجراب الصوفي:
"منذ فترة تحاشيت المرور بالشوارع الرئيسية في طريقي إلى عملي، أحاول ما أستطيع أن أتجنب الحسرة التي تثيرها واجهات المحال في نفسي، وأقلل من رؤية وجوه الناس المنكسرة وعيونهم الحزينة التائهة، والأيدي الممدودة تستجدي أي شيء. 
اليوم، وفي زاروب فرعي كانت تقف امرأة عجوز، تسند ظهرها على حائط أحد الأبنية وتسند جسدها المحني قليلاً على عكازها، عندما حاذيتها استوقفتني بصوتها الخافت المنكسر:
- ابني هل تشتري هذا الجراب؟
وأخرجت من جيبها جراباً صوفياً نظيفاً، لكنه مشغول بطريقة غير متقنة، وثمة اختلاف كبير بين ألوان فردتيه. كنت أقلب الجراب بين يدي وأنا متيقن أن هذا الجراب ما هو إلا لتجنب مذلة طلب المعونة، قلت لها:
- هاد شغل إيدك حجه؟
- أي والله يا ابني إلي خمسة أيام عم أشتغل فيه.
- ومن وين جبتي الصوف؟
- والله يا ابني "كرّيت" كنزة قديمة لأبن بنتي.
- طيب يا حجه لو خليتي الكنزة لإبن بنتك ما كان أحسن؟ الدنيا جايي على شتوية.
صمتت، ثم تنهدت قائلة:
- ابن بنتي تعيش إنت. كنت محتفظة بهذه الكنزة لأنو فيها ريحته...
- الله يرحمه، وقديش بدك فيه؟
- اللي بطلع من خاطرك.
- رح أدفع لك فيه ألف ليرة، والله يا حجه ما بقدر أدفع أكتر.
- يكتر خيرك يا إبني.
أخرجت ألف ليرة من محفظتي، ثم وضعتها فوق الجراب وقلت لها:
- إشتريت الجراب بس يا خالتي رح خليه عندك أمانة.
رفضت... حاولت كثيراً أن أقنعها بإبقاء الجراب لديها لكنها رفضت، وعندما ودعتها قالت لي:
- أمانة يا إبني لا تكبو.
طوال الطريق إلى البيت كنت أقلب الجراب بين يدي وأبكي".
 
حسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
 
أيام كندية

مواضيع ذات صلة