الفرق بين التفوق والإبداع بقلم الباحثة التربوية فتون الصعيدي/أيام كندية

بقلم الباحثة التربوية فتون الصعيدي مقدمة ل.. أيام كندية 

للأسف هنالك خلط كبير بين مفهوم التفوق الدراسي ومفهوم الإبداع، فقد يمتلك تاجر في سوق شعبي سمة الإبداع ولا يمتلكها طالب نال تحصيل دراسي عالٍ لأن الإبداع حالة يتم من خلالها ترجمة الأفكار الجديدة والخيالية إلى حقيقة عملية وواقع ملموس. 

والإبداع في صميمه يعني القدرة على رؤية الأشياء بطريقة لا يستطيع الآخرون رؤيتها، فهو مهارة تساعد في العثور على وجهات نظر جديدة لإنشاء حلول خلّاقة للمشاكل، ويتميز الشخص المبدع بالقدرة على إدراك العالم بطرق جديدة، وابتكار أنماط خفية، وإنشاء روابط بين الظواهر التي قد تبدو للوهلة الأولى بأنها غير متصلة وهي نتاج التمرد 

و التمرد هنا هو محاربة حدود الزمن وضيق المكان، والانتقال إلى فسحة الخيال وإطلاق العنان، ولا إبداع دون تمرد من هذا النوع، لأن غير ذلك يعني الفعل في حدود الزمان والمكان، أي في الإطار المجتمعي الراسخ أصلاً، فينتهي المطاف بتكرار المحفوظ ونسخ الموجود منذ القدم وهذا هو مايشبه مفهوم التفوق الدراسي.

 فالتفوق الدراسي هو القدرة على الامتياز في التحصيل، والتحصيل الدراسي لا يعتبر مؤشراً أساسياً على التفوق العقلي والموهبة أو الإبداع خاصة في مجتمعاتنا وذلك للأسباب التالية:

1- الاختبارات المدرسية تركز على تقويم تحصيل الطالب اعتماداً على المنهاج العام المقدَّم للطلبة العاديين. 

2- الاختبارات المدرسية تركز على العمليات العقلية الدنيا، كالحفظ والتذكر (الاستظهار). 

3- الاختبارات المدرسية لا تركز على تقويم العمليات العقلية المتاحة لدى الطلاب المتفوقين، كالقدرة على التحليل والتركيب والاستنتاج وجوانب الإبداع. 

4- الاختبارات المدرسية تُظهر قدرات الطلاب المتفوقين دراسياً وتعمل على تعزيزها. 

5- الاختبارات المدرسية تكشف التفوق وتعجز عن كشف الموهبة؛ لأنها تتخذ من الاختبارات والتحصيل الأكاديمي محكاً أساسيا وحيداً للتفوق. 

وحسب التعريفات العامة للإبداع، فإن الاختبارات الموضوعية الدقيقة مثل: اختبارات الإبداع و القدرات الخاصة هي البدائل الفعّالة و المتاحة إن أردنا الكشف عن المبدعين.

واستكمالاً لموضوع الخلط بين التفوق الدراسي والإبداع 

وأن التقييم المدرسي لايقيس جوانب الإبداع، بل إن هنالك من المختصين والعلماء من ذهب إلى أن المدرسة والوظيفة تقتلان الإبداع إذا لم تتخذا إجراءت وحلول بهذا الشأن.

وإليكم أمثلة لتقريب الفكرة: 

سامي طفل مبدع، لكنه يؤدي أقل من المتوسط ​​في المدرسة، قد يُنظر إليه على أنه طالب كسول من قبل المعلمين وأولياء الأمور بسبب "أحلام اليقظة" وأداء سيئ في اختبارات موضوعية، وهنا مهاراته الكامنة كمفكر في الدماغ الأيمن أصبحت موضع استهزاء وتخلف.

أو نفكر في قضية بسمة، وهي معلمة في الحلقة الأولى تعمل في بيئة جامدة، بسمة حريصة على تجربة أساليب التعليم الجديدة وتبتكر الكثير منها ولكنها ترى أن زملائها تقليديين في نهجهم وحتى معادون لأفكارها، ماذا يمكن أن تفعل؟

لا يوجد أدنى شك في أن هؤلاء المبدعين سوف يناضلون في بيئات ذات بنية روتينية وسيشعرون بالإحباط من مهام لا تمثل تحدياً.

يساعد هذا في توضيح السبب الذي يجعل الأطفال المبدعين غالباً ما يواجهون مشكلة في المدرسة، وتجول عقولهم في الشق الأيمن بينما يحاول مدرسو عقولهم الأيسر إجبارهم على حفظ المعلومات التي يرى هؤلاء الأطفال المبدعون غريزياً أنها غير مهمة أو تافهة لفهم "الصورة الكبيرة" في الحياة.

غالباً ما تزداد الأمور سوءاً للأشخاص المبدعين عندما يدخلون سوق العمل، إذا لم يختاروا مهنتهم بعناية، فقد ينتهي بهم الأمر في وظيفة ليست مناسبة لمواهبهم الخاصة. وبذلك يشعرون بالملل والإحباط.

لكن الوظيفة نفسها قد لا تكون هي المشكلة بقدر الزملاء وأفراد المجتمع، فيشعر الكثير من الأشخاص في العمل بالراحة مع روتينهم اليومي ومع مرور الوقت يدافعون عن هذه الروتين كشيء أقرب إلى القداسة.

 وغالباً ما تتبنى هذه الأنواع من الناس المثل القديم: "إذا لم يتم كسره، فلا تقم بإصلاحه" ، ويطبقون هذا الموقف عليهم، وأنه لا يوجد "كسر" لهم على الإطلاق، وبذلك يقترحون كل ما لايمثل تهديد الراحة من أعمالهم الروتينية.

وقد يستجيب هؤلاء الأشخاص بطريقة سامة لزملاء العمل المبدعين والمجازفين الذين يهددون "منطقة الراحة" الخاصة بهم من خلال اقتراح طرق جديدة لفعل الأشياء.

كل هذا يشير إلى أن المبدعين غالباً ما يكونون على خلاف مع الأشخاص من حولهم وإحباطهم من بيئات العمل والهياكل التنظيمية الصارمة والتي لا تنتهي.

 ويرجع ذلك جزئياً إلى حقيقة أن الأشخاص المبدعين ينجذبون إلى الأفكار الجديدة وطرق القيام بالأشياء، وغالباً ما تولد عقولهم الإبداعية بدائل للممارسات التقليدية.

قد تؤدي التأثيرات المتراكمة لهذه الإحباطات في المدرسة أو العمل أو أي مكان آخر لدفع بعض الأشخاص المبدعين إلى تبني موقف متمرد بشأن القواعد والروتين، وعندما يحدث هذا، قد تكون النتيجة الإحباط والصراع مع جميع الأطراف حيث ينجم دوامة الهبوط عن النزاع بين الأشخاص والخلاف.

 مما يسبب هذا الإحباط إلى تغيير مهني أو إجراء تأديبي في مكان العمل، وهو نتيجة ثانوية مؤسفة للأشخاص المبدعين الذين لم يتم دمجهم بنجاح في مجتمع مكان العمل.

والحل الأساسي هو التوعية بشأن هذه الفئة من المجتمع وتبنيها بغرض استثمار أفكارها، وتوعية المبدعين أيضاً لفهم أنفسهم وتقدير احتياجاتهم التي لا يمكن تلبيتها إلا بطرق معينة، قد يزدهرون كفنانين ورجال أعمال أو في مختلف المهن التي تشجع على الانفتاح والمجازفة والتطور. 

وهذا يحتم على نظامنا التعليمي بأن يكون أكثر استجابة لاحتياجات الأطفال المبدعين وأن يوفر طرقاً للأطفال الذين هم في سن الطفولة المبكرة لاستخدام ما يناسب أساليب التعلم لديهم.

عندما يتم تثقيف المدارس ومؤسسات العمل بشكل أفضل عن الإبداع وتكون في وضع أفضل لدمج المبدعين في المجتمع، فإن الأفراد والمجتمع سيستفيدون. 

وسيكون الأطفال مثل سامي أكثر عرضة للوصول إلى إمكاناتهم الكاملة والبالغين مثل بسمة سيكونون قادرين على تعزيز بيئة عملهم من خلال المساهمة بأفكار فريدة ومليئة بالتحديات.

مواضيع ذات صلة