قدمت دراسة جديدة معلومات مهمة للعلماء الذين حيرهم سر استخدام بعض الناس اليد اليمنى أو اليسرى، وبينما يبدو أن عوامل بيئية كثيرة تتدخل بشكل كبير في هذه المسألة تبنّى العديد من العلماء منذ فترة طويلة نظرية تقول إنه من المحتمل أن هناك جينا واحدا مهيمنا يعد السبب الكامن وراء رواج استخدام الكثير من الناس في كامل أرجاء العالم اليد اليمنى.
وقال الكاتب روبرت لي هوتز إن في مقاله الذي نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" (wsj) الأميركية إن العلماء اكتشفوا من خلال دراسات جديدة شملت ملايين الأشخاص أن السر يكمن في عشرات الاختلافات الجينية التي تشكل تفضيلنا استخدام اليد اليمنى أو اليسرى.
▪︎ دراسات تصوير الدماغ
وأشار هوتز إلى أن المسألة تتجاوز اليد التي نفضلها عند رمي الكرة أو مسك القلم، وتتعلق باختلاف اللغة والتعرف على الوجه وبعض الإدراكات الحسية الأخرى من حيث الموقع والشدة عبر نصفي الكرة المخية.
وتشير دراسات تصوير الدماغ إلى أن هذه الإشارات العصبية تعالج من قبل جانب واحد من الدماغ، وهذا يفسر تفضيل استخدام يد على أخرى.
ويشكل تفضيل استخدام إحدى اليدين سلوكنا بدءا من الطريقة التي نعانق بها الأشخاص مرورا بركلنا كرة القدم وصولا إلى الجانب الذي نفضله عندما نلتقط صور سيلفي.
وتعد الأفكار المتعلقة باليمين واليسار راسخة للغاية لدرجة أنها تشكل الطريقة التي نتحدث بها عن الأخلاق والإبداع والسياسات.
ويقول عالم النفس سيباستيان أوكلنبورغ من جامعة الرور في بوخوم بألمانيا -والذي يدرس تفضيل اليد بين البشر والحيوانات- إن "هذا هو جوهر نظام أدمغتنا وأنظمتنا العصبية التي تؤثر على سلوكنا".
ويضيف أنه "مع أن الكثير من الناس يعتقدون أنهم يختارون القيام بالكثير من الأشياء بملء إرادتهم إلا أن المبدأ الدماغي القديم هو من يشكل جميع أنواع ممارساتنا اليومية البسيطة".
▪︎ الحيوانات أيضا تفضل مخلبا على آخر
أظهرت العديد من الدراسات أن العديد من أنواع الكلاب والقطط وحتى سلطعون العنكبوت الياباني تفضل استخدام أحد المخالب بأعداد متساوية تقريبا.
في المقابل، يستخدم حوالي 90% من البشر اليد اليمنى، لكن لا أحد يعلم أحد بالضبط السبب الكامن وراء ذلك ولا سبب استمرار استخدام أقلية كبيرة اليد اليسرى منذ عشرات الآلاف من السنين حتى قبل عصور ما قبل التاريخ.
وحتى لو أصبحت الجوانب الجينية للأشخاص العُسر واضحة للعلماء فقد يستنتج العلم أن العوامل الوراثية تلعب دورا ضئيلا في هذا التفضيل.
ويبين عالم الوراثة ديفيد إيفانز من جامعة كوينزلاند في أستراليا -الذي كان أيضا مؤلفا رئيسيا في الدراسة الجديدة حول العوامل الجينية متعددة- أن "العوامل البيئية تلعب دورا بتفضيل استخدام إحدى اليدين".
كما أن السنة التي يولد فيها الشخص ووزنه عند الولادة وما إذا كان ينتمي لمجموعة توائم جميعها عوامل مؤثرة في هذه المسألة، وفقا للبيانات التي تم جمعها بواسطة المصرف البيولوجي البريطاني.
▪︎ شمال الكرة وجنوبها
ووجد باحثون آخرون أن نسبة المواليد الذي يستخدمون اليد اليسرى تكون أعلى في الربيع وأوائل أشهر الصيف في نصف الكرة الأرضية الشمالي، فيما يبدو أن نسبة المواليد الذين يستخدمون اليد اليسرى تكون أعلى بين سبتمبر/أيلول وشهر يناير/كانون الثاني من الكرة الأرضية في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية.
وتضطلع اختلافات الجنس بدور مهم، إذ تظهر الدراسات أن عدد الرجال الذين يستخدمون اليد اليسرى أكثر بقليل من النساء، كما أن العوامل الجغرافية والثقافية مسؤولة عن تفضيل استخدام إحدى اليدين.
ووفقا لبحث نشر العام الماضي، كان معدل الأشخاص المولودين في المملكة المتحدة والذين يستخدمون اليد اليسرى يبلغ 10.1%، فيما انخفضت نسبة المقيمين فيها والمولودين بمكان آخر إلى 6.8%.
ومن المحتمل أن تؤثر الاختلافات العرقية على استخدام إحدى اليدين، حيث أظهرت دراسة أن 3.5% من أطفال المدارس في الصين و0.7% فقط في تايوان كانوا عسرا، ويعد استخدام اليد اليسرى أقل في آسيا من أميركا الشمالية أو أوروبا.
جمعت العالمة اليونانية ماريتا باباداتو باستو من جامعة إكابوديستريان الوطنية في أثينا وزملاؤها بيانات حوالي 2.3 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، في 200 دراسة منشورة.
وحسب النتائج التي نشرت خلال أبريل/نيسان في مجلة سيكولوجيكول بيلتان، تقدر الدكتورة باباداتو باستو وفريقها أن 10.6% من الناس في أنحاء العالم يستخدمون اليد اليسرى، أي حوالي 827 مليون شخص.
▪︎ الاختلافات الجينية
ووفق دراسة جديدة حول الاختلافات الجينية المتعددة، والتي نشرت في مجلة نيتشر هيومن بيهيفيور وشملت 1.7 مليون شخص، اكتشفت مجموعة دولية مكونة من 118 عالما وجود 41 اختلافا جينيا نشطا فقط بين الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليسرى، كما اكتشفت 7 تغيرات وراثية أخرى مرتبطة فقط بالأشخاص القادرين على استخدام كلتا اليدين بشكل متساو.
واستندت استنتاجات العلماء إلى بيانات وراثية مجهولة المصدر جمعها المصرف البيولوجي البريطاني وشركة التكنولوجيا الحيوية "23 آند مي" (23andMe) و32 مجموعة بحثية.
ورغم أن الباحثين ليسوا متأكدين من تأثير الاختلافات الجينية فإنهم يشكون أن المئات إن لم يكن الآلاف من هذه الاختلافات قد تكون مرتبطة بتفضيلات اليد التي يبدو أن العديد منها مرتبط بنمو الدماغ.
ونقل الكاتب ما جاء على لسان العلماء الذين أوضحوا أن الدراسات السابقة كانت ببساطة ضيقة النطاق ولم تكتشف التأثيرات الجينية، موضحين أن الكثير من الدراسات تجاهلت العسر.
وحتى وقت قريب، كان علماء الأعصاب يستبعدون بشكل روتيني الأشخاص العسر من دراسات تصوير الدماغ المصممة لاستكشاف وظائف الدماغ.
وحسب العديد من علماء الأعصاب وعلماء النفس، ركزت معظم الدراسات على الرجال الذين يستخدمون اليد اليمنى من أجل تبسيط النتائج.
وخلص الكاتب إلى القول إن عالمة النفس العصبي سوزان بوكهايمر من جامعة كاليفورنيا قالت "لقد كان من الملائم استبعاد الأشخاص العسر في دراسات تصوير الدماغ التي أجريت على ضوء عدد ضئيل من الأبحاث".
ووفق الدكتورة باباداتو باستو، فقد حاولت مئات الدراسات حل هذا اللغز المتعلق باستخدام يد دون الأخرى، لكن جهودها باءت بالفشل، فحتى بالنسبة للشعوب الأصلية 10% منهم كانوا عسرا لسبب غير معروف.
-المصدر : الصحافة الأميركية
-أيام كندية