أنا وأنت والسوشيال ميديا من جئنا بالرويبضة!! بقلم الكاتبة عهود القيشاوي

أنا وأنت والسوشيال ميديا من جئنا بالرويبضة!!

بقلم الكاتبة عهود القيشاوي

https://logicalscribble.wordpress.com

 

أنا وأنت… كلُ مساء ولربما كل صباح! نبدأ يومَنا وننهيه بتصفحِ شبكاتِ التواصل الاجتماعي

أحدُنا يجد هواه فيسبوكياً والآخر يُقَلِب في حسابات الإنستجرام، وكلنا نتفق على أن اليوتيوب هو الأفضل!! نُرسل ما يستهوينا للأقاربِ والأصدقاء عبر الواتس آب، فَهُم أيضاً لا بد وأن يشاركونا الهوى، في الصباح نشاركهم ما يمدهم بطاقةٍ إيجابية فلربما فيديو للضحك أو المزاح سيكون مناسباً لنبدأ ويبدؤون به اليوم. وفي المساء وبعد يومٍ طويل نريد أن نشعرَ بالإنجاز! فَفِيديو لأحد اليوتيوبرز الذين لا يفعلون شيئاً سوى المقالبِ والتحدياتِ السخيفة.. سيفي بالغرض! وإذ بِعَدّاد المشاهدات وعداد المتابعين في تصاعدٍ مستمر، يصل الآلاف لِيَطرِقَ عتبة المليون، ثم يتخطى الملايين!

دون أن نعي أو ندرك وفقط بنقرةِ مشاركة!! نصنع شيئاً من اللاشئ!!

دون أدنى تفكير بأثر ما نشارك على الأجيال الحاضرة والقادمة نساهم في نشر التفاهات وتصدير صانعيها كأعلام. مع أنه على العكسِ تماماً إن وقعت عُيونُنا على فيديو أو حتى مجرد منشور أو مقال يحمل رسالةً وهدفاً قيماً فإننا نَتَرَفَعُ عن مشاركته أو حتى إبداء الإعجاب أو التعليقِ عليه! لا وبل أننا معظم الأحيان لا نكمل مشاهدته أو قراءته!! يخطر ببالي قولِه تعالى (ثلةٌ من الأولين وقليل من الآخرين) فقلةٌ قليلة من تهتم بالمحتوى المفيد! انظر مدونات الجزيرة واضرب بعينك نحو أكبر عدد مشاهداتٍ قد وصله أي مقال هناك!! تخيل معي موقعاً بحجم مدونات الجزيرة!! موجه للعالم العربي بأكملِه!! لا يكاد يتخطى فيه أي مقالٍ العشرين ألف مشاهدة إلا ما ندر!!

أعي جيداً أني وأنك كمتصفحين للإنترنت ولمواقع التواصل الاجتماعي نلجأ لها للترفيه عن النفس!

نرى منشوراً يحمل رسالة هادفة لربما نقرأه ونستفيد ولربما حتى لا نكمل القراءة!! بعضنا يرغب بالمشاركة فيشارك حتى يستفيد أصدقاؤه، ومعظمنا يفكر.. يبدأ الدماغ بالعمل!! ماذا إن شاركت المنشور!! هل سيشاهده فلان!! هل سيعتقد أني أقصده!! هل سيقرأه فلان!! لربما يعتقد أني أحمل هذا النوع من الأفكار!! فَيَتَرَفَع عن المشاركة خوفاً واحتساباً!! مُوقفاً طريقَ الرسالة عنده ومانعاً إياها من الوصول لأكبر عددٍ ممكن!!

ثم نرى منشوراً مضحكاً، مقلب مثلاً أو تحدٍ سخيف لأحدهم يأكل النوتيلا بالشطة فتتسارع أيدينا لننقر إعجاباً ومشاركة!! في لحظة.. نلغي عمل الدماغ ولا نتساءل من الذي سيشاهد وما رد فعله!! نفكر فقط بأن كل من سيشاهد سيضحك وتنفرج أساريره!!

لكن هل فكرنا ولو للحظة بأننا بهذا التصرف نُؤثِر على الأجيال القادمة!! نعم!! فنحن من فتح المجال للتفاهات لتنتشر ويصبح رُوَادُها مشاهيراً!! ونحن من نَصَبنَا أصحاب اللامحتوى أعلاماً ومؤثرين!! نحن من أخذنا بيد الرُوَيبِضَة ليعتلي منبراً يستمع له الصغيرُ والكبير!! لقد نسينا أن المؤثر هو القدوة!! فهل تريد لابنك أن يقتدِ برُوَيبِضَة ؟؟

بالطبع لا!! إذن بادِر بنشر المحتوى المفيد ذي الرسالة الهادفة، حتى لو أن الرسالة لا تُمَثِلك!! شاركها دعماً لاختلاف الآراء!! شاركها لأن الاختلاف يولد التفكر والذي بدوره يُوصِل للوعي!! شاركها لأن صاحب هذا المنشور قد تعب في أدائه وإن وجد أن تعبَه يضيعُ سدىً فسوف يتوقف عن انتاج المحتوى المفيد!! فلا تكن أنت السبب!! وساهم في وضع الشخص الصحيح في المكان الصحيح.

بادر أيضاً بعدم مشاركة التفاهات!! إن أردت المشاهدة فلن يمنعك أحد!! لكن لا تضغط زر المشاركة حتى لا تكن سبباً في نشرها ويصبح صاحبها مؤثراً يؤثر عليك وعلى أطفالك!

ستسألني!! كيف ستؤثر مشاهدتك ومشاركتك لفيديو تحدي النوتيلا بالشطة على أطفالِك؟!

ببساطة فإنك بالنقر على زر الإعجاب والمشاركة لهذا الفيديو أعطيت الشخص الذي قام بصنعه فرصة ذهبية تدر عليه أموالاً، فبازدياد عدد مشاهداته ومتابعيه ستزداد عائداتُه من الإعلانات التي يعرضها عليك (حيث أنك الفئة المستهدفة وأنت لا تعلم) فلن يكف هذا الشخص عن انتاج المزيد والمزيد من التفاهات!! والتي ستصل أعدادُ مشاهداتها للملايين.

فتتهافت عليه القنوات الفضائية والمجلات المحلية لتجري معه حوار! تتصدر صوره وفيديوهاته وهاشتاجاته على الإنترنت ويصبح حديثَ الصغار والكبار! وفجأة يصبح شخصية عامة يسمى بالسوشيلجي والمؤثر. ويبدأ عمله فوراً بالتأثير على العامةّ صغيراً وكبيراً، يتربح من الإعلانات.. هذا منتج صباحي للبشرة وذاك منتج مسائي للاسترخاء!! وهذه حقيبة لا يستغني عنها وهذا حذاء لا ترتاح قدميه إلا به!! عدا عن أي رسالةٍ سامة يريد أصحابُ منصاتِ الإعلام ايصالها لك ولأبنائك، فإنهم يوصلونها عن طريق المؤثر!!

الطامة الكبرى أن هذا المؤثر بمحتواه السخيف نال شهرة وأموال!! نال حلم الأجيال الصاعدة!! بغمضة عين تصبح غني ومشهور!! ومن منا لا يريد ذلك!! لقد أصبح نموذجاً يُحتذى به، أصبح قدوة!! فما إن تسأل طفلاً عن طموحه المستقبلي، يقُل لك سأصبح يوتيوبر.

وكيف لا؟! فلديه كل التسهيلات!! محتوى لا يسمنُ ولا يغني من جوع!! لا مجهود بدني ولا عقلي ليبذله!! ولديه التوليفة العجيبة! شبكات التواصلِ الاجتماعي بمرتاديها المتعبين المرهقين المتعطشين للضحك وتغيير المزاج! وجوجل التي ستدر عليه أموالاً وقنوات إعلامية ستجعل منه نجمَ العصر!!

لديه أنا وأنت!! من سنعمل غير جاهدين وغير متعبين وإنما ضاحكين مستبشرين لنأتي له بكل هذا من خلال مشاهدةٍ ونقرة مشاركة!! ثم بكل سخافةٍ نتذمر!! يا له من زمنٍ ينطقُ فيه الرُوَيبِضَة!!

مواضيع ذات صلة