أساطير أندلسية

 
أساطير أندلسية
اعتبر المؤرخون والجغرافيون المسلمون الأندلس أرض العجائب، وقد ترك عدد منهم حكايات وأساطير عن هذه البلاد البعيدة. ومن أقدم ما وصلنا عن تلك المرحلة، كتابان للجغرافي والرحالة الأندلسي أبي حامد الغرناطي، الذي عاش في القرن الثاني عشر الميلادي، يحمل الأول عنوان “تحفة الألباب ونخبة الإعجاب”، و الثاني “المعرب عن بعض عجائب المغرب”.
وصلت الأساطير الأندلسية إلى المؤرخين المسلمين القدماء، وإلى المخيال الشعبي بشكل عام، من خلال ما رواه الرحالة والتجار وطلبة العلم والحجاج الأندلسيون الذين كانوا يرحلون إلى المشرق، والمشارقة الذين كانوا يحلون بأرض الأندلس؛ وهي حكايات، نسجت استناداً إلى ما تم توارثه عن الحضارات القديمة كالإغريقية، والرومانية، والقوطية، وكانت الحضارتان الأخيرتان قد تركتا أثرهما بشكل واضح في شبه الجزية الإيبيرية قبل وصول المسلمين.
وقد أرسلت الدكتورة أمينة غونثالث الباحثة بجامعة إشبيلية مجموعة من هذه الأساطير إلى مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات، نشررها تعميماً للفائدة في موقع المركز. وقامت الدكتور غونثالث بمجهود كبير من أجل استخراج هذه الحكايات من أمهات المصادر العربية، وهي مصادر بعضها أندلسي وبعضها الآخر مشرقي، أُلف معظمها بين القرنين الثاني عشر والخامس عشر الميلاديين. وتستعمل الدكتورة غونثالث في رواية هذه الأساطير لغة مبسطة، ومنهجية واضحة، حيث تقدم خلاصة عن الأسطورة، وتورد أول مصدر ذكرها، ومن نقل عنه.
 
- أسطورتا الملك لودريق: تتحدث الأولى عن إقدام حاكم سبتة الروماني يوليان الغماري بإرسال ابنته فلوريندا، وكانت ذات حسن وجمال، إلى بلاط ملك القوط لودريق بطليطلة لتتربى تربية تليق بمقامها، لكن من سوء حظها، أن أغرم بها الملك ففض بكارتها. ولما وصل الخبر إلى والدها قرر الانتقام لشرفه، وقدم للمسلمين كل التسهيلات لفتح الأندلس. وحسب ابن عذاري: “كان امتعاضه من فاحشة ابنته السبب في فتح الأندلس”. وقد ارتبطت هذه الأسطورة بأسطورة أخرى هي “فتح بيت المزاليج”، وهو بيت مسحور يوجد بطليطلة، به طلاسم تحمي شبه الجزية الإيبيرية من الغزاة. ورغم أن السحرة حذروا لودريق من دخوله، فإنه لم يأبه لتحذيراتهم، ودخل البيت المسحور ليرى ما فيه، وكان ذلك سبباً في هزيمته، ونهاية دولة القوط في إسبانيا. وقد وردت هذه الأسطورة عند الحميري، وابن خردادبيه، وابن الفقيه، والقزويني.
-أسطورة طاولة النبي سليمان: تقول المصادر العربية إنها كانت توجد في الأصل في بيت المقدس، وأن الإمبراطور الروماني “تيتو” حملها معه من هناك عند غزوه القدس الشريف سنة 70م. وقد انتهى بها المطاف في مملكة القوط بشبه الجزيرة الإيبيرية. وعند دخول قوات طارق بن زياد طليطلة عاصمة القوط على إثر مقتل لودريق في معركة وادي لكه، استولى عليها ضمن بقية الغنائم. وكانت هذه الطاولة سبباً في النزاع الذي نشب بينه وبين موسى بن نصير، حيث زعم كل واحد منهما أنه هو الذي عثر عليها. وتذكر بعض المصادر العربية أن الفاتحين عثروا عليها داخل القصر الملكي بطليطلة، بينما تذكر مصادر أخرى أنهم عثروا عليها “ببيت المزاليج”. ويقول القزويني إن المسلمين نقلوها معهم إلى المشرق، بل ويذهب إلى حد القول بأنهم أزالوا منها أحجارها الكريمة ليزينوا بها الكعبة المشرفة، المكان الطاهر الذي يستحق أن توضع به أشياء النبي سليمان عليه السلام. ومن المصادر العربية الأخرى التي تحدثت عن طاولة النبي سليمان، يذكر المقال: ابن حبيب وابن عبدالحكم وابن عذاري والحميري والمقري وابن حيان.
أسطورة صنم قادس: شيده هرقل، وتسميه المصادر العربية كذلك، منارة قادس وطلسم قادس، وهو يرتبط بأسطورتين أخريين راجتا عن الأندلس، هما أسطورة أعمدة هرقل، وأسطورة قنطرة بحر الزقاق. وحسب المسعودي، كان صنم قادس الجاثم بجزيرة قادس، يحذر البحارة والتجار من مغبة الإبحار في بحر الظلمات، وكان بيده مفتاح أحكم به إغلاق أبواب هذا البحر، الذي لم يصبح بالامكان دخوله إلا بعدما سقط المفتاح من يد الصنم. وقد ورد ذكر صنم قادس عند الغرناطي، وذكره من الأندلسيين كذلك البكري والزهري، أما من المشارقة فقد ذكره المسعودي والحميري والقزويني.
- أسطورة قنطرة مالقا: شيدها شخص على البحر الذي لم يستطع تدميرها، وكانت من الحجارة المكومة التي حملها ذلك الشخص وحده، وكان وزنها يتراوح بين 20 و 100 كلغ.
- أسطورة أعمدة مسجد ألمرية: كان يوجد حسب الزهري بالمسجد الأعظم في ألمرية، عمود على الجانب الأيمن من المحراب، يتدفق منه ماء يشفي العليل، وقد سميت ب “العين الباكية”.
– أسطورة ضريح الرجل الصالح: يوجد بسرقسطة، وكان يحمي المدينة من الأفاعي وغيرها من الزواحف، التي ما أن تدخل المدينة حتى تموت للتو. وتقول المصادر كذلك، إن بسرقسطة مدفن تابعَين من السلف الصالح، يحمي مثواهما المدينة من الأفاعي. وقد وردت الأسطورة عند عدد من المؤرخين المسلمين من بينهم ابن عذاري والرازي.
- أسطورة ضريح الأمير قراح: وكان ملكاً طاغية، عرف بقسوته في التعامل مع رعيته، ولما مات بدأ الدخان يتصاعد من قبره دون توقف، بحيث حول لون المرمر من أبيض إلى أسود. وقد وردت هذه الأسطورة عند الغرناطي.
- أسطورة مرآة الملكة ماردة: كانت توجد بمدينة ماردة الأندلسية، وكانت الملكة ماردة، التي تحمل المدينة اسمها، والتي حكمت المدينة قبل الفتح الإسلامي، تنظر إلى تلك المرآة فترى فيها أقصى نقطة على سطح الأرض. وكان محيط المرآة عشرين شبراً، تدور حول محورها في اتجاه عمودي. وحسب الحميري، كان المكان الذي توجد به المرآة لايزال معروفاً بماردة على زمانه، وهو يشبه المنارة التي وضعها ذوالقرنين بالاسكندرية.
- أسطورة طلاسم حماية المدن: تقول بعض المصادر إن عدداً من المدن الأندلسية كانت بها طلاسم تحميها من الغزاة. و لتحقق فاعليتها كانت توضع بأبواب المدن أو على أسوارها، رغم أن تأثيرها القوي يجعل المدينة في حماية من الغزاة، حتى ولو لم توضع في هذين المكانين. وكانت الطلاسم تحمي المدن كذلك من الحيوانات الضارة. ويتحدث القزويني عن طلسم يحمي مدينة لورقة من الجراد، يوجد بكنيسة المدينة، وكان شكله يشبه شكل الجراد، وقد صنع من الذهب الخالص. وبعد سرقته تعرضت لورقة لاجتياح الجراد. وبجانب القزويني، أورد هذه الأسطورة كل من الحميري وابن عذاري اللذين يضيفان بأنه يوجد بلورقة كذلك تمثالان لثورين، يحميان ثيران وبقر المدينة من كل ضرر.
– أسطورة البحيرة الميتة: توجد بمنطقة جليقية حسب الزهري، ولم يكن يجرؤ أحد على دخولها، لأن كل من يفعل ذلك من بشر أوحيوان يموت للتو، باستثناء طائر الطاووس. هذه الأسطورة لا تختلف كثيراً عن أسطورة المغارة التي بها عين ماء، يموت في الحال كل من يصل إليها. ويقول الحميري، إن ماءها يتدفق من صخرة ملساء، وأنها توجد في جبل مرتفع بغرناطة. وقد ورد ذكر هذه العين كذلك عند القزويني وصاحب كتاب “ذكر بلاد الأندلس”، وهو مؤلف مجهول.
- أسطورة حيوان البحر العجيب: يخرج إلى الشاطئ بمنطقة شنترين، ليترك فضلاته وهي من جلد غريب ذهبي اللون، أملس مثل الحرير، كان الناس يأخذونه لصناعة لباس رفيع، يصل ثمنه إلى 2000 دينار. وقد علم الملوك بقيمته، ومنعوا إخراجه من شنترين حسب القزويني. وذكر ياقوت الحموي كذلك نفس الحيوان البحري الذي يجعل مكانه في سرقسطة، وبجانب ذلك تتحدث المصادر العربية، من بينها ابن عذاري والقزويني عن حوت عجيب يوجد بنهر “إيبرو”[1].
-أساطير الحبوب والعنب والزيتون: تحدث ابن عذاري، والزهري، وصاحب كتاب “ذكر بلاد الأندلس”، عن حبوب عمرها مائة سنة، وعنب يبقى في دواليه مدة ستة سنوات دون أن يتعرض لضرر. ويذكر الغرناطي وابن عذاري والزهري، زيتوناً ينضج في يوم واحد يوجد بغرناطة، ولوركا، وغواديكس، وجبال شقرة.
[1] -أهم نهر في إسبانيا من حيث صبيب المياه، وثاني أهم نهر من حيث الطول (بعد نهر التاج)، يبلغ طوله 930 كلم، ينبع من سلسلة جبال كنتابريا بأقصى الشمال 
الغربي، ويصب في البحر الأبيض المتوسط بأقصى الجنوب الشرقي.
 
المصدر مركز دراسات الاندلس وحوار الحضارات
 

  
جميع الحقوق محفوضة 2016.

مواضيع ذات صلة