كندا بعيني!! بم تتميز؟! بقلم الكاتبة عهود القيشاوي

كندا! هذا البلدُ الذي يكِدُ الطامحون لينالوا فيه ملجأ، يأوي أجسادَهم وأرواحهم وعقولهم التي خارت قواها، جُل ما تعرضت له من عقابٍ جسديٍ أو نفسي، فرضته عليهم مواطنهم الأصلية.

فماذا يميز كندا؟ ولماذا كانت محطَ أنظار الناظرين؟

يميزُها الكثير!! لكن ليس ذلك الذي رسمْتَه لها في مُخَيِلتك، وليس ما صَوَرْتَهُ لنفسك حين لملمت أحلامك كلها في إطارٍ وردي! وعنونته باسم المرحلة القادمة.

في كندا لن تعش سلطاناً، ولن يكن لك حدائقَ غناء! لن تستمتع بربيعٍ ولن يَطُل عليك صيف، فسوف ينتهيان بطرفةِ عين، حتى قبل أن تضع خطاً، شاطباً فيه آخر وجهةٍ في قائمةِ الأماكن التي أعددت نفسَك لزيارتها.

فيها.. أنت إنسان!! أبيض، أسود، أحمر، أصفر!! أنت إنسان!! ذكر، أنثى!! غني، فقير!! مسلم، مسيحي، يهودي، بوذي، ملحد!! أنت إنسان!! لديك حقوق! وعليك واجبات!

فيها تتعلم التعايش مع الآخرين!

بغض النظر عن أعراقهم ودياناتهم وطبقاتهم الاجتماعية، وحتى ميولهم الجنسية! تدرك أن العنصرية التي تخف أن تطالك سهامُها! أنت من كان بَادئ ذِي بدءٍ يمارسها!! فقبل أن تحط بقدميك على الأراضي الكندية كنت مدنياً أو قرويا! كنت مواطناً أو لاجئ، كنت وافداً أو بدون! كنت سنياً، شيعياً، درزياً، بهائياً، اسماعيلياً أو أحمدية! كنت قبطياً، كاثوليكياً، أرثوذكسياً أو رومياً. كنتِ بيضاء! وكنتِ سمراء! كنت ابن الوزير أو ابن البواب! أما في كندا فكلنا سواء!

في كندا تشعرُ بقيمةِ نفسك!

تدركُ جيداً أنك ذو قيمة! ذلك لأنك ستضطر لإدارةِ حياتك من أصغر تفاصيلها لأكبرها بنفسك، لن يساعدك أحد، لأنه لا أحد لديه من الوقت ما يسمح له بمساعدتك مجاناً، فيها الوقتُ والجهد ذوي ثمنٍ غالٍ جداً وأنت من المؤكد لن تستطع دفع هذا الثمن في بداياتك. فلتكن حياتك أسهل، عليك أن تتعلم الاكتفاء بالذات، فتعلم المهارات الحرفية وابتع صندوقَ الأدوات! ففي أي لحظة ستكن نجاراً أو حداداً، ميكانيكياً أو حتى عامل بناء.

في كندا! الحرية!

تمارسُ معتقداتك على نفسك فقط! ليس لك حق على أيٍ ممن حولك أن توجههم لوجهتك الدينية أو السياسية أو الاجتماعية، لا بالإجبار، ولا بالعنف ولا بالقهر! حتى أبنائك فهم ليسوا مُلكك، ففكر جيداً كيف تقم على تربيتهم تربيةً سليمة في ظل الحرية المطلقة، دون أن تضطر صاغراً لتسليمهم لبيوت التبني!

أما عن فرص العمل!

ففي كندا، اجمع شهاداتك العلمية وخبراتك العملية التي حصدتها من أي دولةٍ أخرى، وضعها في صندوقٍ ذهبي اللون بعيداً عن ناظِرك، لأنك ستتحسر كثيراً إن بقي أمام عينيك تنظرهُ صبح مساء.

لِتعمل في كندا! عليك أن تبدأ من الصفر، حيث يبدأ الجميع. ليس هناك أفضلية لك على غيرك مهما كان منصبك سابقاً.

ستجمع خبراتك وتقوي لغتك عبر المرور على محلات بيع التجزئة، ثم تعتلي درجةً فدرجة إلى أن تصل إلى حيث تستطيع الصمود والمواصلة. فكن ذكياً وخطِط جيداً أين تبدأ ولمن تتحدث، وبم تتفوه، فقد تقابل مديرَ شئون الموظفين ذات مرة وينبهر بآرائك حول تطوير خط العمل، فتنتقل من عاملٍ في التجزئة إلى مدير تبني خططاً وتعد وتوجه فريقاً.

أما بالنسبة للصحة!

فادعوا الله أن لا يصبك بمرض! في الحقيقة أنت ستتعالج وسيتم الاهتمام بصحتِك جيداً، لكن ذلك سيستغرق وقتاً أنت به أحق، فالمنظومة الصحية في كندا تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على أنك كمريض ستتوجه إلى طبيب العائلة أولاً، والذي لن يرسلك للمختص إلا بعد أن يأتي بك عدة مرات إلى عيادته، فأنت بالنسبة له مصدرُ الرزق. والمختص سيعطيك موعد للزيارة لامحالة! لكن تحل بالصبر فقد تزره الخريف القادم. وفي الطوارئ أعد نفسَك للانتظارِ خمسَ ساعاتٍ على الأقل، فإن لم تكن على شفا حفرةٍ من الموت لن يسعفك مسعف!

أما عن التعليم!

فذلك يعتمد على المعلم! أي كما نقول بالعامية ” انت ونصيبك “ إن كان معلمُ طفلك ذا مبادئ فطفلك سيتعلم ويستفد الكثير، وأنت ستكن مطلعاً على سيرِ العملية التعليمية ولربما تكن جزءاً لا يتجزأ منها، وإن كان حظُك سيئاً وكان معلم طفلك من أصحاب الأجندات! فجهز نفسك لتكن المعلم والمصحح الأول لأطفالك. كن قدوة جيدة وعزز قدراتك في الحوار لأن الطفل خريج المدارس الكندية محاورٌ لا يستهان به، جهز دلائلك ودفاعاتك لأنك ستحتاجها لتثبت أنك على الدين الحق وأن المثلية الجنسية هي أمرٌ نحترم ممارسيه ونعاملهم كما نعامل باقِ البشر ولكن لا نؤيد توجههم.

أما مجتمعياً!

ففي كندا ما نفقده في مجتمعاتنا بكلمة واحدة! قالتها إحدى صديقاتي في إجابةٍ على سؤالي عن أكثر مشكلة مجتمعية كانت سبباً في تمزق المجتمعات العربية شر تمزق!

العدالة الاجتماعية!

بتعريفٍ بسيط العدالة الاجتماعية هي أن يحصل الجميع على نصيبٍ من الدخل القومي للبلد يعينه على الحياة فيها وبوجه آخر فهي أن يكن أمراً بديهياً عادياً، أن يَمثُل رئيسُ الوزراء أمام عدالةِ القضاء، ليُبَت في قضية محاولته التأثير على رأي وزيرةِ العدل بخصوص قضيةٍ لشركةٍ معينة، ليمنع ملاحقتها قضائياً والاكتفاء بالغرامات المالية، متذرعاً بحجة أن الآلاف من الموظفين في الشركة سيتعرضون لفقد وظائفهم في حال تعرضت الشركة للملاحقة القضائية. هو لم يقم برشوة الوزيرة، ولم يهددها، هو لم يبتزها أيضاً! هو حاول التأثير على رأيها من خلال رسائل كلامية للمتحدث باسمه في حواره معها عن القضية، ولذلك يمثل أمام القضاء! مثله مثل أي مواطن عادي! لم يشفع له كونه رئيس الوزراء! بالضبط تماماً مثل ما يحدث عندنا!!!!

ببساطة!! في كندا! نعم!! أنت ستجد ما فقدته!! لكنك أيضاً ستفقد النعمة التي كنت تنعم بها بين أهلك! دون أن تدري أنها كانت نعمة! هذا التناقض العجيب يجعلك تخض معركةً شرسةً لتحديد الأولويات!

فعلام تبحث؟ ما الذي ستضحي به؟ وما الذي ستضحي من أجله؟

https://logicalscribble.wordpress.com/

مواضيع ذات صلة