أحياناً كثيرة أحاول أن أغض الطرف عن أذى أو تشوه قد تلحظه العين أو يلتقطه السمع حتى لا أهدر طاقتي وأضيع وقتي في نقده والكتابة عنه. لكن السكوت عن الخطأ والتشوهات التي يرتكبها البعض أحياناً يضع الملاحظ الواعي أمام مسؤوليات تفرض نفسها عليه كما تفرض الدملة نفسها فجأة على الجسم السليم فنسعى لمداواتها وتعقيمها وترييح الجسم منها، فما بالكم إذا كانت هذه الدملة يمكن أن تتفاقم وتؤذي جالية بأكملها.
الموضوع باختصار أن هناك ثلة من ممتهني ومتسلقي الإخراج والأداء تظهر علينا في شهر رمضان في كندا، فاقدة لأدنى معايير الذوق والحس المجتمعي والفني. تحاول فرض نفسها على السوشال ميديا بأي طريقة مهما كانت مبتذلة. تسيئ، ربما بعلم أو بدون علم، للجالية العربية في كندا بفقرات تافهة مبتذلة غير واقعية، ويظن أولئك أنهم بذلك ينتقدون المجتمع لكن هذا لا يمت للنقد بصلة بل هو تشويه وتحريف؛ ومحاولة لتأطير الجالية بإطار متخلف سوقي رديئ شكلاً ومضموناً.
لا أدري أي بوصلة سخيفة توجه عمل هؤلاء! ولا أدري المستوى التربوي والتعليمي لهم، ولا أدري أي نوع من الرقابة الذاتية والمجتمعية يطبقونها على أنفسهم حتى خرج معهم هذا الحجم من التفاهة والتطفل بفقرات غليظة تسعى لتشويه الواقع الحقيقي للجالية في كندا.
ربما باللاشعور، هم يعكسون صفاتهم وحالتهم الذاتية على الجالية، لكن يجب أن يدركوا بأن الجالية تضم المثقف والواعي والمفكر والمبدع والسياسي والفنان والطبيب والمهندس والتقني المحترف وغيرهم من الكوادر الفاعلة، وليست حكراً فقط على تلك الفئة الشوارعية الهابطة الضيقة التي ربما تشبههم كثيرا فاستهوتها أنفسهم فصوروها وأخرجوها.
إن كانت أفكارك وأدواتك هابطة، فمن المعيب أن تصور أن المجتمع حولك كله هابط. هذا تمادٍ وتجاوز للعرف والذوق العام ويجب أن لا يسكت عنه.
نقطة ثانية:
بالأمس وبالصدفة شاهدت فقرة تمثيلية، أَقلّ ما توصف بأنها تحريض مباشر لإثارة النعرات الدينية بين أبناء الجالية، لا أدري كيف فات القائم على هذا البرنامج الهابط أن يتعرض لاسم "كريستين" مثلاً ويطلب من "أم كريستين" أن تغير لقبها ل.. "أم كلثوم"، كإشارة إلى أن لقب "أم كلثوم" لقب شعبي يناسب التغير الديمغرافي في مدينة ميسيساغا مثلاً، يبدو أن هذا التوهم الديمغرافي محشو فقط في رؤوس القائمين على هذه السخافة وقد أساؤوا بذلك لكلا الإسمين وما يرمزان له وربما لا يدرون أنهم قد أساؤوا.
اعتقد أن سلوك كهذا مرده عقدة تضخم أنا الحارات والأزقة لدى أمثال هؤلاء، إذ لو أنهم كلفوا خاطرهم بالبحث لوجدوا أن نسبة العرب في كندا قاطبة لا تتجاوز %1.2 وفي مدينة ميسيساغا %5، فلماذا هذا التهويل والتضخيم وكأن العرب عبارة عن تسونامي همجي قادم سيطغى بثقافته ولغته وعرقه على كندا وشعب كندا ولغات كندا، وقد صور المشهد أن أحد سكان المدينة العرب سيصبح في المستقبل متخلفاً غوغائياً إلى حد لا يعرف معنى كلمة شارع بالإنكليزية، ويصورون بإسفاف عدم تعلم اللغة الإنكليزية والإنكفاء على العربية فحسب وكأنه فخر عظيم وانتصار للهوية العربية في بلاد المهجر وهم لا يدركون بأنهم أساؤوا بذلك للغتين وللثقافتين معاً بطريقة مبتذلة فارغة من أي مضمون أو مغزى، بل وحصروا مستقبل وتطلعات أبناء الجالية في اقتناء الحمير والطنابر والبسطات وزرعها في طرقات المدينة بشكل عشوائي وكأن سمة العرب في بلادنا هي كذلك، كان حري بكم أن تصوروا مستقبل الجالية بموضوعية وبنظرة تفاؤلية تليق بقامات الجالية التي خرَّجت لنا أسماء مضيئة في كندا منها المخترع والمبدع والوزير والمعلم والأكاديمي والمفكر والمثقف والطبيب والمهندس ورجل الأعمال وغيرهم كثير.
هذا أمر معيب ومقزز؛ وفيه تشويه غبي للواقع وإساءة مباشرة لأبناء الجالية واستهلاك رخيص لوقت المشاهد بلا فائدة ولا مغزى ولا حتى تسلية، سوى انتهاز لنظرات ووقت المتابع لصالح الإعلانات التجارية حتى لو كان ذلك بأبخس الأثمان وحتى لو كلف ذلك هتك الذوق العام والإساءة لسمعة الجالية برمتها.
توقفوا.. بئس ما تقومون به! أقول هذا ومع ذلك أدرك تماماً بأن أي عمل مهما كان هابطاً وغير مسؤول لا يخلوا من موهبة خلاّقة تظهر هنا أو هناك ونصيحتي لمن يجدوا في أنفسهم موهبة، أن لا ينجرفوا وأن لا يحرقوا أوراقهم بفقرات مسيئة هدّامة، مهما ضعف معولها، وأن لا تغريهم عدسات الكاميرات الحديثة ما لم يتأكدوا أن من يدير تلك العدسة رجل ذو بعد نظر ورؤية صائبة وتوجه هادف وعلى قدر كافٍ من المسؤولية تجاه أبناء الجالية.
أخيراً.. أدعو السيدات والسادة أبناء الجالية العربية المحترمة في كندا وفي كل مكان لعدم السماح بتمرير تصرفات مستهترة وغير مسؤولة من هذا النوع بحجة التسلية والترفيه دون محاسبة ودون نقد بهدف البناء والتصحيح وصون مكانة الجالية وسمعتها وليس لأي هدف آخر.
والله المستعان!
بقلم رئيس التحرير