للموت طرائق شتى.. د. محمد فتحي عبد العال/ أيام كندية

كان الممرض عبده لا يسمح دخله البسيط بالمستشفى الحكومي التي يعمل بها  بالإنفاق على أسرته المكونة من زوجة وطفلين 
كم كانت فرحته عظيمة حين  عثر أخيرا على عمل بعد الظهر بعيادة الدكتور رفيق طبيب الباطنية بالمستشفى العام والذائع الصيت في منطقة الحلمية وما حولها. 
كانت المسافة القصيرة من منزل عبده إلى العيادة تمثل ميزة إضافية  مع العائد المجزى الذي سيحصل عليه مقابل   كل معاينة  ومع عدد المعاينات  الكبيرة  والاكراميات  التي يحصل عليها وإذا أضفنا لذلك حجم العينات الطبية التي تأتيه من مندوبي شركات الدعاية الدوائية الذين كانوا يلتمسون رضاه ويخطبون وده  مثلت كل هذه الأمور  طاقة قدر لأحلامه البسيطة. 
ومع حداثة عمل عبده إلا أنه أصبح يتحسس ما يثير سخط  الدكتور  ولا ينسى  اليوم الذي استشاط فيه د. رفيق غضبا وطرد أحد المندوبين الذي حاول الدخول عنوة ولم يكتفى بذلك بل طرد المرضى في ذلك اليوم أيضا. 
كان الدكتور رفيق عاشقا للهدوء حريصا على الوقت بشكل مبالغ به لا يترك القلم  ولا  الكتب العلمية  من يديه والتي تحفل بها عيادته  دائم التدوين في مفكرة صغيرة يضعها دائما في مكتبه. 
مما أثار دهشة عبده.. اللقاء اليومي بين د. رفيق مع الدكتور حسين زميله بنفس المستشفى . 
كان الدكتور حسين شخص غريب الأطوار يشبه التمثال المجرد من أي انفعالات يجلس صامتا ولا ينطق أبدا ودائما ما يعرف طريقه لغرفة الكشف الساعة الثامنة مساءا تحديدا وقت إغلاق العيادة وانصراف عبده. 
كان اليوم هو ذكرى عيد الحب وكانت طقوس هذا اليوم يحرص عليها عبده تماما منذ زواجه  قبل أربع سنوات وكانت هديته لها ساعة فضية باطار مزخرف  لكن من زحام العمل  في هذا اليوم نسي هديته في العيادة  وفي الطريق إلى منزله تذكرها فأسرع من فوره للعيادة مرة أخرى وما أن عاد حتى سمع أصوات غريبة داخل غرفة المعاينة . 
دفعه الفضول  أن يختلس النظر لما يحدث بالداخل فنظر عبر فتحة الباب وهاله ما رآه.. معقول ما يحدث!!! وبسرعة هائلة، حمل الهدية وغادر بصدمة كبيرة مما يحدث. 
كانت الساعة التاسعة صباحا في  يوم الجمعة حينما قرع  جرس باب شقة عبده فلما فتح وجد أمامه رجال الشرطه يطلبونه للذهاب للقسم. 
انهار عبده قائلا :ماذا حدث؟ 
-تعال معنا وستعرف كل شئ في القسم 
وفي القسم بدأ المحقق في استجواب عبده 
-اسمك وسنك وعنوانك 
-عبده عرفه 30سنه اسكن بالحلمية 
-هل تدري أن الدكتور رفيق والدكتور حسين لقيا حتفهما بالعيادة ليلة أمس؟ 
ذهل عبده 
-لا يا سيدي كيف حدث هذا؟ 
-لقد استدعيناك لنعرف منك كيف حدث هذا؟ 
-لقد غادرت العيادة وهما  بخير ولا أعرف ماذا جرى بعد ذلك. 
-ما العلاقة التي تربط بين الدكتور حسين والدكتور رفيق؟ 
-منذ عملت لدي دكتور رفيق قبل ستة أشهر وبشكل يومي يزوره الدكتور حسين بعد موعد العيادة 
-غريب ولا تعرف لماذا هذه الزيارات اليومية؟ 
-لا أعلم ولكني رأيت شيئا غريبا ولا أريد أن أقصه خشية أن أكون خائنا للأمانة ومفشيا لأسرار لا تخصني. 
-لابد أن تحكي فقد يفيد هذا التحقيق 
-لقد عدت يوما للعيادة بعد انصرافي لأني نسيت هدية جلبتها لزوجتي ووجدت غرفة المعاينة مغلقة عليهما وينبعث منها أصواتا غريبة  فدفعني الفضول إلى استراق السمع والبصر عبر فتحة الباب. 
-ماذا رأيت بالظبط؟ 
رأيت الدكتور حسين ممدا على السرير والدكتور رفيق يحقنه بمحلول وريدي  وبعدها  صار يهذي. 
من كان يهذي وبماذا كان يهذي ؟ 
الدكتور حسين ولم استطيع تمييز الكلمات.
تم صرف عبده من القسم. وأصبح المحقق عبد الملك في حيرة من أقوال عبده ومما زاد حيرته أن تقرير الطبيب الشرعي جاء بأن المتوفين لديهما مستويات مرتفعة من «الكيتامين» و مادة ثنائي ميثيل تريبتامين (DMT) هي السبب في الوفاة مما يتفق مع رواية عبده من أن هناك حقن بمادة ما  وبالتالي فالقضية أصبحت واضحة ولو بشكل مبدئي وهي وفاة نتيجة لتعاطي المخدرات . 
لكن المحقق عبد الملك من طراز مختلف فهو لا يقنع بالدلائل السهلة فيسرع بغلق قضاياه ولكن يضع نصب عينيه الاحتمالات الأخرى. 
اتصل عبد الملك بالطبيب الشرعي حاتم وطلب مقابلته.
كانت في جعبة عبد الملك الكثير من التساؤلات وضعها جميعا أمام الطب الشرعي. 
لماذا استخدم الطبيبان هاتين المادتين؟ هل كانا مدمنين  ؟
لا أعتقد ذلك. كانت هذه إجابة الطبيب الشرعي، فهناك العديد من المواد المخدرة سهلة المنال وأبسط في الاستخدام وتحقق نفس التأثير وأكثر كما أن ثنائي ميثيل تريبتامين يسبب هلاوس مفزعة ولا تنسى أنهما طبيبان وعلى دراية بذلك.
إذن نحن بحاجة إلى استجواب عبده مرة أخرى قالها عبد الملك.
-أود أن احضر هذا الاستجواب.
-بكل سرور.. فما تراه قد يغيب عني.. 
تم استدعاء عبده مرة أخرى وفي حضرة عبد الملك وحاتم (الطبيب الشرعي) 
قال عبد الملك :هل لديك معلومات حول وجود الكيتامين و DMT بعيادة د. رفيق وهل لاحظت عليه علامات إدمان؟
-لم أرى هذه المواد بالعيادة من قبل. هذه عيادة باطنية ومادة الكيتامين تستخدم عادة في التخدير. 
أما فيما يخص الإدمان فدكتور رفيق كان متزنا تماما وكان لا يشرب لا سجائر ولا حتى القهوة.
توجه حاتم بالسؤال لعبده :
-هل كان الدكتور رفيق يدون مذكرات أو شئ من هذا القبيل. 
-نعم كانت لديه مفكرة صغيرة لا تغادر مكتبه.
إذن وجدنا مبتغانا قالها الدكتور حاتم وهو ينظر للمحقق عبد الملك.
انطلق الإثنان إلى عيادة دكتور رفيق وبدأ الدكتور حاتم يبحث عن المفكرة حتى وجدها وبدأ يقلب صفحاتها.
كانت تحتوي على مقادير مختلفة من الجرعات باختصارات تشير إلى الكيتامين وDMT دون إشارة صريحة.
إنه أمر محير لماذا هذه الجرعات؟! .
ترك الدكتور حاتم المفكرة وراح يقلب في كتب الدكتور رفيق بمكتبته وفجأة علا صوته لقد وجدتها؟
سأله عبد الملك والذي جلس طوال الوقت معلقا بصره برفيقه 
-ماذا وجدت؟
-مفتاح اللغز. 
إنه  dying brain hypothesis لقد وضع الدكتور رفيق دائرة حول هذا العنوان. 
-ماذا تعني؟
-فرضية الدماغ المحتضر... لقد كان الدكتور حسين والدكتور رفيق يبحثان في الاقتراب من الموت بعبارة اوضح سكرات الموت
-لم أفهم؟
-ببساطة يا صديقي كانا يحاولان استحضار لحظات القرب من الموت عبر هاتين المادتين المخدرتين حيث يقومان بتهيئة سحابة من الهلاوس تشبه لحظات القرب من الموت.
-ولما ماتا إذن إن كانت فقط تجربة؟
-ربما الإسراف في الجرعات أو الجمع بين المادتين في بعض التجارب لا أدري على وجه التحديد ربما نحتاج لمزيد من البحث ولكن أظن أن ما وصلت إليه هو كبد الحقيقة.
خرج عبد الملك وحاتم من العيادة وقد زال العبوس من وجهيهما بعدما ظفرا بما يظنانه كافيا لحل اللغز.
د. محمد فتحي عبد العال
رقم الهاتف : 00966583609502
الايميل : dr_mfathy2005@yahoo.com

مواضيع ذات صلة