بعد مئة عام.. المندوب الفرنسي الجديد الجنرال ماكرون في بيروت، بقلم فارس بدر/ أيام كندية

بعد مئة عام 1920-2020 
المندوب الفرنسي الجديد الجنرال  إيمانويل ماكرون  في بيروت 
للإحتفال بالذكرى المئوية لإعلان "دولة لبنان الكبير" على يد سلفه الجنرال "غورو"  
 
فجأة ....يهبط " القديس" ماكرون في العاصمة اللبنانية المنكوبة بيروت حاملاً لأهلها وللشعب اللبناني كافةً خشبة الخلاص على كتفيه، ومبشّراً بالعجائب والوعود المعسولة  لإنزال لبنان عن الصليب المعلّق عليه.
 
لا سياسة ولا مصالح ولا من يحزنون... إنها مبادرة إنسانية من فرنسا " الأُمَّ الحنون" الذي رضع اللبنانيون من ثديها من العام 1918 حتى العام 1943. 
 
ولأنّ ماكرون على ثقة بأنّ اللبنانيين " أولاد أصل" ولا تزال الرضاعة تسكن في ذاكرتهم ، جاء ليستعيد ذكريات الأمس القريب لَعَلَّه يستعيد "للأم الحنون" فرنسا، بعضاً من مجد فقدته منذ زوال الإستعمار وأفول نجمه. 
 
وهكذا كان.... هبطت طائرة الجنرال في مطار بيروت حيث استقبله البعض استقبال الفاتحين حتى كاد يبصق مرّةً أخرى على قبر صلاح الدين كما فعل سلفه الجنرال غورو عندما قال: 
" ها قد عدنا يا صلاح الدين" بعد أنتصار الأخير على الصليبيين عام 1187 في معركة حطّين قائلاً لهم : "لا عودةً لكم إلى هذا الشرق". 
 
هذه المرّة من بوابة بيروت الجريحة المنكوبة ، بيروت ستّ الدنيا،  التي عصت على الإنتداب والإجتياح وفلول المستعمرين بدماء أبنائها وبناتها من خالد علوان إلى سناء محيدلي إلى كل الذين قدّموا دماءهم رخيصةً على مذبح الوطنية. 
 
ماكرون و من كارثة بيروت التي تلملم جراحها، جاء ليستعيد مجدداً تاريخاً مغلّفاً بالصدأ كي يقول للعالم : نحن هنا ....فرنسا هنا.... بعد أن قلّمت الولايات المتحدة الأميركية أظافر أوروبا من نفوذها الدولي وحجّمت حضورها ومصالحها على المستوى العالمي. 
 
ولما لا، طالما أنّ الصراعات والمصالح الدولية وموازين القوى الخارجية والداخلية في لعبة الإنتخابات الفرنسية يمكن أن تقدّم للمندوب السامي موقعاً تفاوضياً أفضل وحملةً إنتخابيةً حافلة "بالإنجازات" ولو على حساب أشلاء ضحايا الانفجارات المروّعة التي تركت بصماتها على قلوب اللبنانيين وجدران منازلهم وذكرياتهم. 
 
بيروت ، أيّتُها العروس الجميلة، يا قبلة الشرق، يا رصيف الذكريات الحيّة، يا شوارع العشق والصمود والبطولة، يا أمّاً احتضنت في قلبها وفي مقاهيها  مفكري الشرق بدفاترهم وأقلامهم وأحاطت بعطفها مشردًي محيطها القومي من الشام إلى فلسطين الجريحة، 
بيروت ... أيُّها المنبر الذي اعتلاه نزار قبّاني ومحمود درويش وبدر شاكر السيّاب وسمير قصير وسواهم من الذين جعلوا من هذه العاصمة موئلاً وملاذاً. 
 
بيروت لن تنطلي عليها ربطة عنق الجنرال "ماكرون" وكياسته التي خرجت عن كل الأعراف الدبلوماسية ودفتر الشروط "الإنتدابية " الذي يحمله بين يديه. 
 
لقد إنتهى زمن الإنتداب ، وللذين يقولون ل ماكرون " أنقذنا" عليهم أوّلاً أن يُنقذوا نفوسَهُم من نفوسِهِم ويلتفُّون حول إخوانهم وأبناء جلدتهم أوّلاً ، ريثما يستعيدون كرامةً جفّت عروقها ويتعانقون لإنقاذ وطنهم من محنتي الفساد والإنتداب من أجل إعادته إلى شاطئ الأمان.

مواضيع ذات صلة