هل كان رأفت الهجان جاسوساً إسرائيلياً؟

▪︎ وكيل المخابرات يرد على إسرائيل من خلال "العربية.نت": الهجان جند قادة بجيشكم لحسابنا
 
القاهرة - أشرف عبدالحميد
 
في تمام الساعة الثانية عشرة و30 دقيقة من يوم 30 يناير في العام 1982، توفي رفعت علي سليمان الجمال، رجل الأعمال المصري، في منزله بألمانيا بعد صراع مع مرض السرطان، ليدفن معه ولسنوات طويلة أخطر الأسرار في تاريخ الحروب والمواجهات الاستخباراتية بين مصر و إسرائيل.
لكن في العام 1987 وبعد وفاته بخمس سنوات أعلنت المخابرات المصرية القليل جداً عن تفاصيل هذا الرجل الغامض وتاريخه ودوره في العمل لحسابها داخل إسرائيل و الجيش_الإسرائيلي، من خلال رواية ومسلسل درامي باسم "رأفت الهجان" قام بدور البطولة فيه الفنان الراحل محمود عبدالعزيز. ومنذ ذلك الحين وحتى الآن تخرج الروايات من داخل إسرائيل زاعمه أن الجمال كان عميلاً مزدوجاً، وأنه عمل لحساب إسرائيل وليس مصر وآخرها ما نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية منذ أيام.
 
▪︎ اللواء محمد رشاد
اللواء محمد رشاد، وكيل جهاز المخابرات_المصرية السابق، وأحد الذين تعاملوا مع الملف 313 الشهير بملف رأفت_الهجان كشف في حديث خاص مع "العربية.نت" أن ما نشرته صحيفة "هآرتس" لا أساس له من الصحة وخزعبلات تروجها إسرائيل من حين لآخر لتأكيد قوة جهاز مخابراتها " الموساد "، مؤكداً أن رفعت_الجمال، الشهير برأفت الهجان، كان عميلاً مصرياً 100% وتم تأهيله للإقامة والاندماج داخل إسرائيل بمعرفة جهاز المخابرات المصرية، في ملحمة بطولية مخابراتية.
وأضاف أن رفعت تم اكتشافه بواسطة ضابط الشرطة أحمد رشدي الذي أصبح وزيراً للداخلية في أوائل الثمانينيات، وقدمه للواء عبدالمحسن فائق، أحد قادة المخابرات في حينه والذي قدم دوره في المسلسل الفنان يوسف شعبان باسم "محسن ممتاز"، وتم تأهيله للمهمة بالتعاون مع اللواء حسن بلبل الذي أدى دوره في المسلسل الفنان مصطفى متولي، واللواء عبدالعزيز الطودي الشهير في المسلسل باسم "عزيز الجبالي"، ثم تابع عمله داخل إسرائيل اللواء محمد نسيم الذي أدى دوره في المسلسل الفنان نبيل الحلفاوي.
 
▪︎ معلومات صحيحة ودقيقة
 
وقال اللواء رشاد إنه تولي الملف_العسكري الإسرائيلي عقب عام 1967 وحتى العام 1973، وتابع من خلال منصبه المعلومات التي كان يرسلها الهجان وكلها معلومات تم التأكد من صحتها ومطابقتها على أرض الواقع، مضيفاً أن ما يؤكد عدم صحة مزاعم إسرائيل هو نجاح مصر في اختراق المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وكذلك القوات_الجوية_الإسرائيلية بفضل جهود رأفت الهجان. ولو كان ما تقوله إسرائيل صحيحاً لما توصلنا لمعلومات في غاية الأهمية عن بعض الأسلحة الإسرائيلية، ولما ضللناها حتى نجحنا في بناء حائط_الصواريخ وتطوير صواريخ الكتف المحمولة "إم دي".
 
وأشار إلى أن الهجان نجح في تجنيد قادة_كبار داخل الجيش الإسرائيلي وقادة بارزين داخل القوات الجوية الإسرائيلية وشخصيات عامة، وكانت تقاريره التي تأتينا عن الجيش الإسرائيلي والرأي العام الإسرائيلي من خلال علاقاته المتشعبة والمتعددة من أهم التقارير والمصادر التي تضع تحت أعيننا أغلب ما يجري داخل إسرائيل، مؤكداً أن الهجان كان يدعو قادة بالجيش الإسرائيلي للغداء معه ويحصل منهم على ما يريد من معلومات خطيرة، كانت تتواجد على مكاتبنا خلال ساعات قليلة من لقائه بهم.
وأكد اللواء رشاد أن عملية زرع الهجان كانت من أصعب وأنجح العمليات في تاريخ جهاز المخابرات المصرية، وظل يقيم في إسرائيل منذ العام 1955 ولعدة سنوات تالية من دون أن يقدم معلومة واحدة، وكان ذلك بأمر من ضباط الجهاز الذين كانوا يريدون تثبيته وزرعه بنجاح ودمجه داخل المجتمع الإسرائيلي من دون أن يكتشف أمره، مشيراً إلى أن الخدمات التي قدمها الهجان بعد ذلك لمصر كانت من الضربات القوية والقاصمة لإسرائيل.
 
▪︎ ملحمة 6 أكتوبر واستغاثة غولدا مائير
 
وقال إنه بفضل معلومات الهجان وغيره من المصادر، تمكنت مصر في حرب 6 أكتوبر من تقديم ملحمة عسكرية أجبرت غولدا_مائير، رئيسة وزراء إسرائيل، على توجيه رسائل لأميركا في اليوم التالي للحرب وهو 7 أكتوبر تحت عنوان "أنقذوا أرواحنا".
وأوضح أن الجمال لم يكن يعمل بمفرده داخل العمق الإسرائيلي، وداخل الجيش الإسرائيلي بل كان ضمن شبكات أخرى متعددة ومتعمقة، واستطاع بمفرده تجنيد قادة كبار وضباط صغار من عدة أسلحة داخل الجيش الإسرائيلي، تعمل جميعها لحساب مصر وتزودنا بأخطر وأهم المعلومات التي كشفت لنا جانباً كبيراً مما يجري داخل الجيش الإسرائيلي، وقدمنا تلك المعلومات للقيادة العسكرية التي بناء عليها أعدت خطتها لحرب أكتوبر.
 
وذكر اللواء محمد رشاد أن إسرائيل كانت تحتل المرتبة الأولى ضمن اهتمامات جهاز المخابرات العامة، وكانت على قائمة الأولويات ومازالت للجهاز، وكذلك مصر كانت ولا تزال تحتل قائمة الأولويات داخل "الموساد"، وكانت المهمة الأولى لجهاز المخابرات المصرية عقب حرب 1967 هي وقف وصول معلومات عن مصر والجيش لـ"الموساد"، ومن أقوى الضربات التي وجهتها مصر في ذلك الحين هي ضبط الجاسوسة المصرية هبة_سليم التي كانت على علاقة بالضابط في القوات الخاصة فاروق الفقي، وتم إعدام هبة رغم توسلات غولدا مائيرا بالإفراج عنها، وكما تم إعدام فاروق_الفقي رمياً بالرصاص. وكذلك ضبط عملاء آخرين لإسرائيل، مما أدى لنقص واضح لديها في المعلومات حول الجيش_المصري ساهم كثيراً في عدم معرفتها بما يجري لدينا من استعدادات قوية للحرب.
وأضاف أن الهجان لم تعلم إسرائيل أنه كان مصرياً إلا من خلال الإعلان عن ذلك من جانب المخابرات المصرية، كما لم تعلم زوجته الألمانية بأنه مصري إلا عقب وفاته بسنوات، ولذلك هي لا تستطيع تقديم ما يثبت أنه كان عميلاً مزدوجاً، مضيفاً أن إسرائيل كانت تتابع كل حركة في الشارع المصري حتى صفحة الوفيات في الصحف المصرية، كانت تتابعها وتجمع من خلالها معلومات عن شبكات الأقارب والمعارف، ولكن كل ذلك توقف بعد العام 1967 بفضل الأذرع الطويلة للمخابرات المصرية التي تمكنت من وقف زرع إسرائيل لجواسيس داخلها وفي الوقت نفسه كان الهجان مع آخرين يقومون بزرع جواسيس لنا داخلها.
 
▪︎ ماذا قال رفعت الجمال في مذكراته؟
 
من جانب آخر، وفي مذكراته التي كتبها بخط يده وحسب روايات زوجته، فولتراود الجمال، التي نشرتها في كتاب يحمل اسم قصة "الجاسوس المصري رفعت الجمال.. 18 عاماً من الخداع لإسرائيل، الصادر عن دار الأهرام للترجمة والنشر عام 1994، يقول الجمال:
"خلال زيارتي الأخيرة لإسرائيل عمدت إلى أن أقوم بآخر عملية تجسس لي وربما الأهم والأخطر شأناً لصالح مصر، كانت العلاقات السياسية بين إسرائيل ومصر قد تدهورت مرة أخرى مع استمرار الجدل بشأن شبه جزيرة سيناء وللمرة الثانية أخذ القدر مساره في اتجاه العنف واكتشفت من خلال سام شواب أن ثمة تخطيطاً لتوجيه ضربة_عسكرية أخرى ضد مصر وأدركت أن من واجبي أن أعمل وتلقيت معلومات عن طريق كل من (شواب) و(ديان) و(وايزمان) عن الخطط العسكرية المختلفة المبيتة.
 
كان كل شيء بدا واضحاً أمامي، وغمرتني الرغبة في الضحك.
على مدى كل هذه السنوات كنت أعد العدة لكي أترك إسرائيل وإلى الأبد، وأن أترك عملي مع جهاز المخابرات المصرية، وعندما حان الوقت لذلك استطعت أن أنجز أروع أعمالي. وتوفرت لي معلومات تزيد عن الحاجة، نقلتها جميعاً: الزمن والتاريخ والموقع، كل شيء كان هناك.
وصدقني المصريون هذه المرة على نحو ما تشير أحداث التاريخ، وغمرتني سعادة بالغة لذلك، ولأول مرة انتصرت مصر على إسرائيل في حرب_أكتوبر 1973 وقررت أن هذه نهاية عظيمة لمهمتي، وأبلغت رئيسي أن هذه نهاية عملي معهم وعدت إلى ألمانيا، حيث حصلت على الجنسية الألمانية، وحصل دانييل بدوره على جواز سفر ألماني، وأصبحت إقامتنا الآن شرعية في البلاد، وسرني أن تخلصت من جواز سفري الإسرائيلي، ففي النهاية كنت دائماً مصرياً في صميم فؤادي، بل كان الزعم بأنني إسرائيلي أو يهودي يجرحني في داخلي، ولكن كان الواجب يقتضيني أن أنجز مهمتي، وقد أديتها على خير وجه، وأستطيع أن أقول بشكل ما إنني كنت فخوراً بنفسي قليلًا.
 
وطلبوا مني أن أحضر إلى ميلانو مرة أخرى، حيث قال لي رئيسي الضابط المصري حسن: لقد أنجزت عملاً بالغ الروعة ونحن فخورون بك، لقد استطعت أن تقدم أكثر مما كنا نتوقع، فما هي خططك الآن؟
وقلت أريد لعملي في مجال البترول أن ينجح، وحيث إنني حصلت على الجنسية الألمانية الآن، فإنني أستطيع أن أدع أمر إسرائيل جانباً، وأصب اهتمامي على حياتي الخاصة.
ورد الضابط حسن قائلاً: هناك في مصر أيضاً حجم أعمال ضخم في مجال البترول، نستطيع أن نساعدك على النجاح في هذا المجال كتعبير عن عرفاننا بجميلك الذي أسديته، لكن تذكر أن اصطحابك لأسرتك إلى مصر يمكن أن يكشف ما قمت به من قبل، وبالتالي يهددك ويهددهم كذلك.
وقلت لن أترك أبداً أسرتي، هي كل ما لي.
ورد الضابط حسن: ستكون بذلك مصدر خطر شديد على أسرتك، نحن متكفلون بحمايتك، ولكننا لا نستطيع حماية زوجتك وطفليك طوال الوقت. إذا لم تكن على استعداد لأن تتركهم في ألمانيا فستضطر إلى البقاء باعتبارك جاك_بيتون الألماني، الذي عاش في إسرائيل يوماً ما، فكر في هذا وتدبر الأمر.
 
وقاطعته قائلاً: هل هذا معقول؟ إنني أحب فالتراود والطفلين حباً من كل أعماق نفسي، لا سبيل على الإطلاق إلى أن أتركهم.
واستطرد الضابط حسن قائلاً: جميل، إذا كان هذا هو ما تريد فليكن. غير أننا معنيون بك ليس إلا. أسرتك هي شأنك، إذا بقيت معهم، لن تستطيع العودة إلى مصر وتصبح رفعت الجمال كذلك ستكون مسؤولاً عن نفسك، وإذا ما اكتشفت المخابرات_الإسرائيلية حقيقة ما فعلت فإنهم سيعثرون عليك أينما كنت.
وقلت: إنهم لن يكتشفوني، لقد عشت داخل عرين الأسد زمناً طويلاً وأعرف حيلهم لقد سددت ديني إلى مصر ثلاثة أضعاف، وسوف أتصرف على مسؤوليتي مثلما اعتدت دائماً. وإذا كان قدري هو أن أواصل العيش باسم جاك بيتون فليكن، غير أنني لن أترك زوجتي وطفلي تحت أي ظرف من الظروف، إنهم مسؤوليتي وأنا أحبهم إلى أقصى الحدود.
وقال الضابط حسن: وهو كذلك يا جاك بيتون، لقد حددت اختيارك وأصبحت كما قلت لك مسؤولاً عن نفسك، نحن نشكر جهودك ونرجو لك حظاً طيباً. كان الله معك".
 
وكالات
أيام كندية 

مواضيع ذات صلة