الذباب والنفايات.. قصة من التراث الآخر! بقلم فاتح زعموط/ أيام كندية

عاش الدكتور إحسان، في الجانب الغربي من بلدة جميلة ونظيفة ومتقدمة على كافة الأصعدة. 
 
عُرِف عنه غَزارة علمه وإتساع ثقافته وإنفتاحه على مختلف المدارس الفكرية. يحب الخير للناس، كل الناس،  ويحب مساعدة الآخرين بنية صادقة صافية لا تخالطها شائبة. 
 
وقد كان في شرقيِّ البلدة مكباً للنفايات، يقع قريبا من منطقة عمل الدكتور إحسان. وكان كلما مرّ بالمكب وجد عنده ذُبَاباً كبيراً قبيحاً. تحوم تلك المخلوقات المنفرة بين أطنان النفايات، تشم رائحتها القذرة طوال اليوم، وتأكل منها، وتتقاتل عليها، وتحمل أمراضها، وياللهول! 
 
-أي عيشة قذرة هذه؟ 
 كلمات تمتم بهِنّ الدكتور إحسان. 
 
-كيف يعيش هذا الذباب في هكذا بيئة قذرة، كيف يحيا وكيف يموت، كيف يربي أطفاله في بيئة غير صحية؟!
 
فكّر الرجل، وقدّر، وبعد أن عبس وبسر، وأدرك أن هذه من صنع البشر، قرّر أن يصطاد مجموعة كبيرة من هذا الذباب، ويأخذه إلى حديقة مغلقة مخصصة لهم في منزله، تطل تلك الحديقة على كامل البلدة، ومن أعلاها يمكن مشاهدة مكب النفايات في شرق البلدة، وقرر أن يقدم لهم طعاماً نظيفاً، غنيٌّا بالفيتامينات  والبروتينات ومضادات الأكسدة وأحماض الأوميغا والكالسيوم والألياف وغيرها. 
 
وكذلك جهّز لهم نافورة ترش ماءاً عذباً نقيّاً مخلوطا مع المسك والزعفران والشامبوهات والمنظفات ومزيلات العرق وملطفات الجلد وغيرها    
 
تلك الحديقة الجميلة الخلابة الرائعة، مجهزة بتكييف مركزي، هواؤه عليلٌ وغنيٌّ بالأوكسجين النقي. 
 
يطول الحديث عن الحديقة، ولكنها كانت كلّ ما يتمناه الإنسان أو الحيوان ليحيا فيها ولها ومن أجلها هو وأولاده.
 
ظنّ الرجل أنه بفعله هذا، سيغيّر حال الذباب، ويصبح نظيفاً، وخالياً من الأمراض، وترتاح نفسيته ويسعد وترتفع معنوياته ويصبح إيجابياً في كل شؤون الحياة، وسوف تتغير هيئته وشكله بسبب كلِّ تِلْكُم التسهيلات وبذخ العيش، ومن يدري، لعل ذلك يؤثر على فكره ونظرته للأمور، وقد يتطور فكره، ويصبح منفتحاً متقبلاً للبيئات والمجتمعات الأخرى المختلفة، أي أن يفكر خارج الصندوق أو خارج حدود "مزبلته"! 
 
وبعد أسابيع معدودة، وجد  أن كل الذباب قد فارق الحياة تاركاً خلفه الحديقة الجميلة ونعيمها، وبعض البيض الغير فاقس! 
 
مات الذباب متجمعاً أعلى الحديقة، وفي النقطة التي تمكنه من رؤية... مكب النفايات!

مواضيع ذات صلة