مفهوم التربية بين الشرق والغرب..
بقلم معتز أبوكلام
لكل أب وأم هاجس لا يفارقهما ويثقل كاهلهما... إنه هاجس تأمين مستقبل الأولاد وخاصة المستقبل المادي. من وجهة نظر متواضعة، إن السعي لتأمين مستقبل مادي رغيد للأولاد يورثه الأباء للأولاد هو من أكثر أسباب تراجع الإبداع والإنتاج في عالمنا العربي. نعم إنها إشكالية الإتكال على الآخر وعلى الأهل تحديداً. تبدأ من إعداد مائدة الطعام للأولاد دون تعويدهم على المشاركة بذلك وتمتد لما شاء الله من العطاءات دون أدنى مشاركة!!! سلسلة من الأعباء والمسؤوليات تمتد عمراً بأكمله والأباء تكدح والأمهات تفنى والأولاد حالهم هل من مزيد. لا شك أن على الوالدين واجب حسن التربية والتعليم والإعداد الجيد للأولاد للدخول في معترك الحياة ولكن الإسراف في الدلال والمبالغة في العطاء لتأمين المستقبل الرغيد هو مدعاة لتعطيل قدرات الأولاد وتحويلهم إلى معاقين رغم إكتمال خلقهم وكما يُقال الحاجة أُم الإختراع فإذا قدمنا جيلاً مُتخماً بالأخذ المادي، وقد فتّح عينيه على الدنيا وفي فمه ملعقة من ذهب وفضة، فلنعلم جميعاً بأننا أعددنا جيلاً لن يخترع أو يبدع بأي شيئ وسيكون جيلا مستهلكاً هشاً وعبئ على الأهل والمجتمع يأكل ويشرب ويتذمر. الغرب تيقظ لهذه النقطة فلم يجعل الأولاد يتكلون على أبائهم وأمهاتهم ولم يبني حضارته على أكتاف جيل بحد ذاته، يتعب ويشقى من أجل من يأتي بعده، بل جعل من الحضارة مرجل توقد جذوته الأجيال المتعاقبة ومشعل يحمله جيل بعد جيل حتى تبقى هذه الحضارة متأوجة تُبنى وتنمو وتستمر بعقول وسواعد الأجيال المتعاقبة. حتى طريقة التفكير لديهم مختلفة فمهما بلغ غنى الوالدين، لا يكون هذا مبرراً للأبناء أن يتقاعسوا ويكسلوا بل حقهم وواجبهم أن يشقّوا طريقهم ويعيشوا تجربتهم بمنأى عن غنى أو فقر والديهم وهذا المبدأ بحد ذاته كفيل بأن يجعل عجلة الحضارة عندهم في تقدم وازدهار مستمر وخلاف ذلك ستتقهقر عجلة أي حضارة مهما بلغت ثروات الأهل ولو كانوا من الأمراء. لو نظرنا نظرة ثاقبة لتقلب الأجيال في ثقافتنا وعائلاتنا نجد أن هناك جيل يتعب ويشقى ولا يأخذ حظه من الدنيا ثم يأتي من بعده جيل يقطف ويجني ثمار من قبله ويستهلك ماتعب غيره في تأمينه فيفوت على نفسه متعة اكتشاف الحياة بحلوها ومرها ويمضي به العمر لا يلوي على شيئ من خبرات الدنيا ثم يأتي من بعده جيل شبه ضائع، تعلم من أبيه وأمه الأخذ ولم يتعلم العطاء وهكذا دواليك. جيل يتعب وجيل يستريح وجيل يضيع ثم جيل يشقى لينهض من جديد. فمتى سنتعلم كيف نعيش!! بقلم رئيس التحرير معتز أبوكلام