مع انتشار هذه اللقاحات في أصقاع العالم على تنوعها راحت تثور بعض الأسئلة بين الفينة والفينة فكان التساؤل عن حاجة المتعافي من كوفيد - 19 للقاح وقد اعتمدت الدول جرعة واحدة فقط له بعد 90 يوماً فأكثر من التعافي ذلك أن الاستجابة المناعية ونسبة الأجسام المضادة التي ترتبط بالفيروس أو المحيدة في هذه الحالة مع جرعة واحدة تعلو تلك التي لدى الأشخاص الذين أخذوا جرعتين ولم يصابوا سابقا بالفيروس بنحو 12ضعفا وذلك بحسب دراسة هولندية. أيضا السؤال عن خلط اللقاحات نظرا للنقص في الإمداد العالمي للقاحات وذلك بأن تكون الجرعة الأولى من فايزر والثانية من استرازينكا على سبيل المثال وقد أثبتت الدراسات الكفاءة المناعية الأعلى لهذا الخلط لكن يبقى التساؤل مفتوحا عن الأعراض الجانبية المحتملة لهذا الخلط وسنتعرض لشق الأعراض الجانبية في نهاية هذا المقال.
المفاجأة في مسألة المناعة ضد كوفيد كانت من نصيب المعمرين والذين عاصر بعضهم الانفلونزا الإسبانية واجتازوها بسلام كما اجتازوا أيضا كوفيد ويرجع البعض ذلك إلى أن أجسادهم قادرة على تنظيم درجة الالتهاب وتفادي ردود الفعل المناعي المفرط الذي يسببه كوفيد 19.
لكن أصبح حديث الناس سؤالا مهما عن مدى آمان هذه اللقاحات وأعراضها الجانبية.
من الأعراض الجانبية ذائعة الشيوع :الشعور بالصداع والتعب والألم في موضع الحقن وآلام بالعضلات وارتفاع درجة الحرارة وهي أعراض هينة تزول بعد فترة وجيزة.
أما الأعراض الجانبية النادرة فحتى الآن تم رصد حالات نادرة من جلطات الدم (التخثر) مع استخدام لقاحي جونسون اند جونسون الأمريكي واسترازينكا البريطاني ويجري تحرى وجود هذه الخثرات عبر الكشف عن الأجسام المضادة ضد(PF4 platelet factor 4) حيث تزعم بعض النظريات أن مادة EDTA التي تدخل في صناعة اللقاح وتساعد البروتينات على الانتشار في مجرى الدم يمكنها أن تتفاعل مع PF4 فيختلط الأمر على الجهاز المناعي بأن إصابة بكتيرية بالجسم فيطلق الأجسام المناعية بشكل كبير فينتج عنها الجلطات. فيما يرى آخرون مسؤولية الفيروسات الغدية الحاملة للمادة الوراثية لفيروس كوفيد عن الجلطات وهي الفيروسات التي تقوم عليها فكرة اللقاحين سالفي الذكر.
مصير واحد جمع أيضا لقاحي فايزر وموديرنا هما الآخرين ولكن هذه المرة لدى فئات عمرية صغيرة حيث تم رصد حالات التهاب عضلة القلب لديهم. ومازالت هذه الأعراض قيد الدراسة لمعرفة مدى مسؤولية اللقاحات المتهمة عنها بين مؤيد ومعارض.
ومع ندرة هذه الأعراض وغيرها في ضوء الاحصائيات الحالية إلا أن لدي رأي أهمس به همسا مع الحملات التي تملأ الإذاعات والتلفزيونات حول آمان اللقاحات جميعها بأن الوقت مبكر للحكم على ذلك وأننا تعلمنا في علم الميكروبيولوجي وتحت عنوان رئيسي فيها أن الأعراض الجانبية للقاحات قد تظهر في التو وربما بعد وقت قصير منها هذا بالطبع في حالة اللقاحات التقليدية أما في حالة لقاحات mRNA القائمة على شفرة جينية وهي تكنولوجيا جديدة تختبر للمرة الأولى على نطاق واسع فلا بد وأن نضع احتمالية ولو ضيئلة لتحول هذه الشفرة لجزء من الجينوم البشري مع الوقت ومصدرا للطفرات مستقبلا. ربما نعم وربما لا. لذا نحتاج سنوات للحكم على مدى أمان وسلامة هذه اللقاحات كما أن البيانات الحالية عن نسب الأعراض الجانبية تخرج من دول متقدمة لديها مراكز رصد ومراقبة وإبلاغ متقدمة وعلى مستوى مفترض من الشفافية فماذا عن الدول النامية والتي لا تمتلك الحد الأدنى للامكانيات للاعلان عن أرقام إصابات كوفيد الحالية لديها بشكل صحيح؟ وبعضها لازال يعتبر كوفيد 19 مؤامرة هل نستطيع أن نخرج بنتائج حقيقية عن الأعراض الجانبية في ظل غياب الاحصائيات والشفافية في الابلاغ وعدم وجود آلية واضحة للابلاغ في كثير من هذه البلدان وفي ظل ارتفاع مستوى الجهل أيضا بكثير منها؟ .
هذه ليست دعوة مني أبدا لعدم أخذ اللقاحات بل صيحة لاعداد خطة صحية دولية لإدارة المخاطر طويلة المدى تشمل الجميع لمواجهة الأعراض الجانبية التي تم رصدها فإصابة شخص واحد كإصابة ألف لا يمكن التنصل منها فالبشر سواء وكذلك الاعراض المتوقعة على المدى الطويل عبر بحث جاد ومحايد والتحلي بالشجاعة الكافية لمواجهة أعراض قد تظهر على المدى البعيد وهي مسألة أخلاقية في الأساس وإن كانت تثير الهلع لدى الكثير من الشركات العالمية التي تخشى من توقف لقاحاتها دون تحقيق العائد المنتظر مع حجم الإنفاق الهائل في الأبحاث والتصنيع أو الدفع بها في قضايا تعويضات مستقبلا.. بالطبع شئ نبيل أن ننقذ البشرية في هذه اللحظة الراهنة من التاريخ الإنساني وأن نضحي بكل غال ونفيس لكن ما العائد من هذه اللقاحات في جملتها في هذه اللحظة ؟العائد هو حماية مؤقتة تضمن أعراضا أقل شدة عند الإصابة بالفيروس ولا تحول دون انتقال العدوى وهو عائد يتضائل حينما يتعلق الأمر بأجيال حالية أو قادمة ربما تصب لعناتها يوما على من تساهل في الحماية لآخذي اللقاح إننا نتحرك اليوم في ملعب الجينات وهو ملعب لا تحكمه قواعد لعبة ثابتة وكل السيناريوهات فيه محتملة فلنكن على استعداد لكافة السيناريوهات بشفافية ووضوح.
د. محمد فتحي عبد العال
كاتب وباحث