خيارات علاجية قيد التجربة إعداد د. محمد فتحي عبد العال/ أيام كندية

خيارات علاجية قيد التجربة
 
1-افيجان الدواء الواعد
 
هل نحن في نهاية النفق المظلم وبات انقشاع الظلام  وشيكا مع التوقعات الايجابية بشأن العقار الياباني المضاد للفيروسات (فافيبيرافير favipiravir) والمعروف تجاريا ب(أفيجان Avigan). 
كانت المحطة الأولى لتجربة هذا العقار على كوفيد-19 في الصين  ووافقت على استخدامه في التجارب السريرية حيث أحدث نجاحا في تحول نتائج مرضى كورونا من إيجابي لسلبي في غضون أربعة أيام وبحسب الدراسة التي أجريت عليه في ووهان الصينية ونشرت بمجلة medrxiv العلمية فقد تضمنت نجاح العقار الياباني في تخفيف أعراض مرضى كورونا في فترة وجيزة : الحمى في 2.5 يوما  والسعال في غضون 4.6 يوما. 
كيف يعمل هذا العقار وما هي أعراضه الجانبية؟
يعمل (فافيبيرافير  Favipiravir) بشكل انتقائي على منع انزيم بلمرة الرنا الفيروسي (viral RNA dependent RNA polymerase ) دون المساس بالخلايا البشرية.. ويذهب البعض إلى قدرة الفافيبيرافير المفسفر( favipiravir-RTP) —وهي  صورته النشطة— على إحداث طفرة  عن طريق اندماجه بالخطأ باعتباره نيكلوتيده في الشريط المنسوخ من المحتوى الفيروسي مما يمنع دمج النيوكليوتيدات وبالتالي تعطل تضاعف الرنا الفيروسي.
أما  فيما يخص الآثار الجانبية فلا يوجد معلومات كثيرة في هذا الصدد بحكم حداثة الدواء ولكن يحظر استخدامه تماما أثناء الحمل لاحداثه تشوهات على الاجنة بحسب بعض الدراسات التي أجريت على الحيوانات كما أنه قد يسبب أعراضا طفيفة مثل ارتفاع حمض اليوريك في الدم والأسهال وارتفاع انزيمات الكبد.
الغريب ان اليابان اقتصرت على الاحتفاظ بعقار افيجان دون توزيعه في الصيدليات والمستشفيات وذلك منذ إنتاجه الأول عام 2014 كعقار للانفلونزا ووضعت قيودا حول استخدامه ليكون خيارا اخيرا في حالات تفشي العدوى الشديدة والتي تعجز الأدوية الأخرى في التصدي لها وربما كان ذلك راجعا للخشية من أعراض جانبية محتملة إضافة إلى عدم كفاية الأبحاث حوله  وقد استخدم العقار في غرب أفريقيا  لمكافحة فيروس إيبولا لكن فاعليته لم تكن على القدر المنشود ففي تجربة سريرية للتحقق من فاعليته  ضد مرض فيروس إيبولا في غويكيدو، غينيا، خلال ديسمبر 2014 أظهرت النتائج الأولية انخفاضًا في معدل الوفيات في المرضى الذين يعانون من مستويات منخفضة إلى معتدلة من فيروس إيبولا في الدم ولكن خلا الدواء من التأثير على المرضى الذين يعانون من مستويات عالية من الفيروس  وهم الأكثر عرضة لخطر الوفاة..
كما أبدى (فافيبيرافير) فاعلية محدودة ضد فيروس زيكا في الدراسات على الحيوانات. 
ومع اعلان  اليابان على لسان وزير خارجيتها ( توشيميتسو موتيجي) تقديم عقار أفيجان   إلى عشرين  دولة حول العالم  لتوسيع نطاق الأبحاث السريرية لعلاج مرضى كوفيد-19 وقد حصلت مصر على عينات منه وهي بصدد تصنيعه وبالتالي ينبغي أن نعي أننا بصدد علاجا تجريبيا وأننا بالموافقة على استخدامه لا يعني ان العلاج سيكون آمن أو فعال 100‰ فقد تكون هناك آثار جانبية متوقعه وردات فعل سيئة و غير متوقعة  لهذه التجارب السريرية  وقد  تكون التجارب السريرية فعالة كما هو متوقع ومخطط لها وقد لا تكون كذلك ولربما كانت الفترة المقبلة محددة وحاسمة في هذا الصدد. 
2-التعديل الجيني... مستقبل مرتقب لنهاية الفيروسات التاجية
مقدمة:
لقد باتت ادواتنا في مواجهة الفيروسات وعلى رأسها الفيروسات التاجية ومنها صاحبتنا الشرسه COVID-19 شديدة القدم فالحجر الصحي يعود إلى عهد النبوة والأدوية إلى القرن السابع عشر والتلقيح والتطعيم إلى القرن الثامن عشر لذا أصبح من الضروري أن نضيف إلى مصفوفة أدواتنا في المواجهة تقنيات جديدة أكثر ذكاءا واستهدافا ومنها استثمار الثورة الهائلة في التعديل الجيني فإن لم يكن هذا موعدها؟ فمتى أذن؟!
تقنية كريسبر :
تعتبر تقنية تحرير الجينات (كريسبر كاس 9 ) (CRISPR-Cas9) من التقنيات الواعدة في مجال العلاج الجيني  فهي أداة جزيئية شديدة الدقة والذكاء في تعديل الجينات فباستطاعتها تحديد الجزء المراد تعديله في مكان معين من الشفرة الوراثية لكائن ما والتعرف عليه بدقه
وتتكون كريسبر من عنصرين: دليل كريسبر الجزيئي الذي يعثر ويرتبط بالجين المُستهدف؛ والمقصّ الجزيئي «كاس9» الذي يرافقه و يقوم بقصّ سلسلة الحمض النووي المستهدفة وإجراء التعديل المطلوب.  
بداية الاكتشاف :
كان التعرف على هذه التقنية لإول مرة في البكتريا حيث اكتشف العلماء اليابانيون وجودها في بكتريا E. Coli حيث تؤدي دورا هاما في الجهاز المناعي لدى البكتريا يحميها من الفيروسات.
استطاع العلماء أن يوظفوا هذا النظام لخدمة البشرية والمساهمة في علاج أمراض السرطان وفقر الدم المنجلي والتليف الكيسي  وفي مكافحة فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) ويقوم نظام كريسبر بأربعة مهام رئيسية هي حذف الجينات الغير مرغوب فيها من الجينوم او إضافة جينات مرغوب فيها إلى الجينوم او تفعيل الجينات الغير عاملة والضرورية لاداء وظائف داخل الخلايا او تعطيل  نشاط الجينات الزائد عن المعتاد.
يعول كثير من العلماء على كريسبر فهي التقنية التي  نعيد بها تشكيل وظائف كثيرة  إلى شكل جديد مغاير لما ألفناه عنها ومن ذلك أن نطور كريسبر لتكون سلاحا  يستهدف بكتريا محددة وقتلها فضلا عن إيقاف عمل الفيروسات وربما  تصبح في المستقبل بديلا للمضادات الحيوية ومضادات الفيروسية التقليدية. 
وعلى الرغم من الامكانيات الهائلة لهذه التقنية ومنها اختبار أدوية ولقاحات جديدة الا أن مخاطر جمة وغير متوقعة قد تصاحب الاستخدام الخاطئ لها و منها احتمالية الإصابة بالسرطان إضافة إلى الاستخدام العبثي عبر التجريب  على البشر؟  فهل هذا حدث فعلا ؟
في عام 2018 أعلن عالم الفيزياء الحيوية الصيني (خه جياكوي) عن   ولادة توأمين معدلين جينيا، يدعوان لولا، ونانا في أول تجربة للتعديل الجيني على البشر عبر إزالة  جينًا يسمى "سي سي أر 5"  وحتى يكسب تجربته بعدا أخلاقيا فقد زعم ان تجربته كانت بقصد حماية البشر ووقاية التوأمين من نقص المناعة المكتسبة   (الإيدز). 
فحكمت محكمة الشعب بمقاطعة نانشان الصينية بسجنه لمدة ثلاث سنوات وتغريمة 430 الف دولار فيما حكمت بالسجن على اثنين من مساعديه ايضا.
كريسبر وكوفيد :
استطاع العلماء إحداث تطوير في كريسبر فكانت مؤخرا (CRISPR-Cas 13d) وهي تستهدف الحمض النووي الرنا  على عكس CRISPR-Cas9 والتي تستهدف الحامض النووي الدنا ولان كوفيد-19 من الفيروسات ذات المحتوى النووي الرنا فإن تقنية CRISPR-Cas13 قد تكون حلا سحريا مهيئا لاستهداف الرنا داخل الفيروس المستجد وتفكيكه حيث يعمل Cas 13d على الالتصاق بمنطقتين جينيتين هما الاهم في جينوم الفيروس المستجد يساهمان في تكاثره ويغلفانه ويمنعان الخلية التائية في الجهاز المناعي من التعرف عليه  وعبر قص المنطقتين  يمكن القضاء على  قدرة الفيروس على التكاثر داخل الخلايا وبحسب الدراسة المقدمة من الباحث تيم أبوت بقسم الهندسة الحيوية بجامعة ستانفورد وفريقه والتي نشرت بموقع بيو اركايف  فباستطاعة التقنية أن تفكك تسلسل المحتوى الجيني للفيروسات التاجية  معمليا بنسبة 90٪
ولكن هل تحقيق هذا الحلم على أرض الواقع قريبا؟
بالطبع لا فالأمر لا يعدو كونه ورقة بحثية لا تقدم حلا عاجلا او حتى في الغد القريب ولكنها ترسم ملامح علاج ناجع نجني ثماره مستقبلا 
3-هل يغدو اكسيد النيتريك طوق النجاة لتعويض النقص في أجهزة التنفس الصناعي؟ 
في خضم محاولات وتجارب لا تنتهي لإيجاد علاج فعال لفيروس كورونا فقد أجري أطباء في الولايات المتحدة وأوروبا تجربة حول استخدام غاز اكسيد النيتريك ليكون عوضا عن أجهزة التنفس الصناعي التي تلاقي تزايدا في الطلب عليها مما حدا بشركة (ميدترونيك) العالمية والرائدة في  أجهزة التنفس الصناعى للتنازل عن حقوق الملكية الفكرية الخاصة بأجهزتها كما شاركت  التصميمات مع الدول الأخرى للبدء فى تصنيعها فورا. 
وبحسب تقرير صحيفة الديلي ميل فقد بدأت ثلاثة ولايات أمريكية وثلاث دول أوروبية في تجربة استنشاق غاز اكسيد النيتريك لمرضى كورونا عبر جهاز ( CPAPضغط مجرى الهواء الإيجابي المستمر) ويستغرق العلاج من 20 إلى 30 دقيقة مرتين يوميا لمدة أسبوعين مما قد يقضي على الفيروس ويخفف من تلف الرئة.
فما هو غاز اكسيد النيتريك واستخداماته الطبية؟
هو غاز عديم اللون وعند استنشاقه يعمل على توسيع الأوعية الدموية خاصة في الرئتين مما يؤدي إلى زيادة كمية الأكسجين المتدفقة إليها ولجميع أنحاء الجسم ويستخدم مع جهاز التنفس الصناعي للحيلولة دون فشل الجهاز التنفسي لدى الأطفال حديثي الولادة. كما تشير بعض الدراسات إلى امتلاك غاز اكسيد النيتريك خصائص مضادة للفيروسات التاجية.
هل اكسيد النيتريك بعيدا عن حياتنا العادية؟
انه قريب للغاية فعقار الفياجرا والمستخدم في علاج الضعف الجنسي لدى الرجال يمارس عمله عبر اكسيد النيتريك ذلك أن السيلدينافيل وهو المادة الفعالة في الفياجرا تعمل على تثبيط انزيم فوفسفودايستراز 5 مما يؤدي إلى إطلاق اكسيد النيتريك والذي يعمل على توسيع الأوعية الدموية وتدفق الدم إلى العضو الذكري فضلا عن تدفق الدم والاكسجين في الرئتين لذا فالفياجرا ليست علاجا للضعف الجنسي فحسب بل تستخدم أيضا في علاج ضغط الدم الرئوي وفي بعض حالات  الانسداد الرئوي المزمن ( COPD) المصاحبة له.
كما أن الدور نفسه للفياجرا مع اكسيد النيتريك  يلعبه الحمض الأميني (الارجينين) داخل الجسم وكذلك السيترولين (متوفر بالبطيخ) فضلا عن الجينسينج و البيكنوجينول وهو مستخلص نباتى من شجرة الصنوبر.
 
لكن هل حل مشكلة توافر أجهزة التنفس الصناعي كفيلة  ان تبعد مخاطر هذا الفيروس القاتل عن الرئة؟
 بحسب التقارير الصحفية الواردة من الولايات المتحدة الأمريكية والصين وبريطانيا  فهناك ارتفاع في معدلات الوفيات بشكل غير طبيعي بين المرضى الموضوعين على أجهزة التنفس الصناعي مما جعل الأطباء يحاولون تلافي الضرر عبر وضع المرضى في أوضاع مختلفة لمحاولة الحصول على الأكسجين في أجزاء مختلفة من رئاتهم أوإعطائهم الأكسجين عبر أنابيب الأنف أو إضافة اكسيد النيتريك إلى علاجات الأكسجين.
ولكن بقى اللغز المحير لماذا تكون النهاية احيانا مع أجهزة التنفس الصناعي؟ !
في بحث متواضع وشيق قدمه مهندسين صينين في مجال تكنولوجيا المعلومات والمعلوماتية الحيوية  وبتحليل وظيفة بروتينات فيروس كورونا عن طريق الحاسوب تبين أن بروتينات الفيروس تهاجم الهيموجلوبين  أو  خضاب الدم  وهو بروتين محمول داخل خلايا الدم الحمراء ويحتوي على ذرات الحديد (Fe). يلتقط الأوكسجين في الرئتين ويسلّمه إلى الأنسجة للحفاظ على حياة الجسم وما يفعله كوفيد بحسب الدراسه لعرقلة دور الهيموجلوبين هو أن ينزع عنه جزئ الحديد الموجود في شق( الهيم) به وبالتالي يفقده القدرة على حمل الأكسجين إلى باقي أجزاء الجسم وهو ما يفسر الفشل التام لاعضاء الجسم وهو سبب الوفاة بفيروس كورونا كما فسرت الدراسة تلف الرئة أنه نتيجة للحديد الذي أصبح طليقا بالدورة الدموية  وقد حاولت الدراسة أن تجعل هذا السيناريو هو السبب في قدرة الكلوروكين على التصدي لكورونا عبر منعها من إصابة الهيموجلوبين كما يفعل مع طفيليات الملاريا سواء بسواء .. ولكن يبقى البحث نظريا وبآليات شديدة التواضع لذلك لابد من التريث لفهم هذا الفيروس الذي يتحدى العلم الحديث باصرار وتحدي كبيرين. 
 
 
د. محمد فتحي عبد العال
صيدلي وماجستير في الكيمياء الحيوية ودبلوم الدراسات العليا في الميكروبيولوجيا التطبيقية ورئيس قسم الجودة بالهيئة العامة للتأمين الصحي فرع الشرقية بمصر سابقا
 

مواضيع ذات صلة