كورونا وخيارات علاجية إعداد د. محمد فتحي عبد العال

خيارات علاجية لكورونا قيد التجربة الجزء الأول :

يعيش العالم هاجسا شديدا من أجل البحث عن لقاح و علاج لفيروس كورونا الذي اجتاح العالم بأسره وتتبارى الجامعات والمعاهد العالمية في مئات الدراسات والأبحاث والتجارب من أجل تحقيق هذه الخطوة وفي مقالنا هذا نستعرض أبرز هذه الابحاث وما توصلت إليه:

1- دواء قديم عاد للحياة منذ اعلان الصين وفرنسا وأخيرا الرئيس الأمريكي ترامب عن فاعليته ضد فيروس كورونا المستجد حتى أصبح عقار الهيدروكسي كلوروكين والمعروف تجاريا بالبلاكنيل حديث الساعة هذه الأيام... فما هو هذا العقار وما هي آليات عمله وفيما يستخدم؟

كانت البداية لاستخدام هذا العقار عام 1955 للوقاية والعلاج من مرض البرداء او الملاريا وفي أمراض المناعة الذاتية مثل الذئبة الحمراء والتهاب المفاصل الروماتويدي طويل المدى. الآلية التي يعمل بها الهيدروكسي كلوروكين ليست معلومه بالشكل الكامل ولكن نظريا يتطلب دخول الفيروسات المغلفة في الخلايا اندماج الغشاء المحيط بالفيروس مع غشاء الخلية المصابة للسماح بإطلاق الجينوم الفيروسي في السيتوبلازم. وفي حالة COVID-19 فالفيروس يرتبط بمستقبلات للإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2 (ACE2) على سطح الخلايا ثم يدخل الخلية مكملا رحلته المرضية حيث يستغل الخلية لتكون مصنع لاستنساخ ومضاعفة محتواه من الرنا الفيروسي . خطوة اندماج الأغشية الفيروسية والخلوية تحتاج إلى خفض الأس الهيدروجيني الحمضي في فجوة الليسوسوم للخلية ومهمة الهيدروكسي كلوروكين هي رفع الأس الهيدروجيني وبالتالي يمنع الاندماج ودخول الفيروس للخلية. كما يثبط من إنتاج وتحرر السيتوكينات الضارة بالخلايا. لكن هل يمكن لأي شخص ان يتناول هذا العقار من تلقاء نفسه ودون أن يكون قيد الرعاية الصحية في إحدى المستشفيات؟ بالطبع لا فلا زال الدواء قيد التجريب حتى الآن إضافة إلى أعراضه الجانبية الضارة في حالة تجاوز الجرعات الآمنة منه ومن هذه الأعراض صعوبات الرؤية والقراءة و اعتلال شبكية العين المرتبط بالجرعة حتى بعد التوقف عن استخدامه لذلك ينبغي فحص العينين بشكل دوري مع استخدامه وكذلك تغير تصبغ العين وفرط تصبغ الجلد والطفح الجلدي والدوار وفقر الدم وحب الشباب والكوابيس والاكتئاب، إضافة إلى عدم الانتظام في ضربات القلب كما يقلل مؤقتا من عدد خلايا الدم البيضاء مما يزيد من فرصة الإصابة بالعدوى كما قد يؤدي إلى انخفاض نسبة السكر في الدم عند تناوله مع بعض الأدوية كما يزيد من سوء حالة كل من الصدفية والبرفيريا. لذلك ينبغي زيادة الوعي لدى الناس بعدم استخدامه الا بعد انتهاء الاختبارات السريرية من جانب الهيئات البحثية لحساب الجرعة العلاجية المعطاة في حالات الإصابة بفيروس كورونا الجديد حتى لا يؤدي إلى أضرار جسيمة ثم اقراره بشكل كامل من جهة الجهات الصحية المعنية.

2- هل ينجح دواء الضغط الشهير في التصدي لمضاعفات كورونا؟

يمثل فيروس كورونا تحديا على جميع الاصعدة ومنها البحث عن علاج جديد له وهو الأمر الذي قد يستغرق وقتا، وبحسب مقال لعالم الأحياء (نيفان كروغان) أستاذ ومدير معهد العلوم البيولوجية الكمية بجامعة كاليفورنيا على موقع ساينس ألرت، فإن الفيروس التاجي الجديد لا يعطي العالم هذا النوع من الوقت. ومع إغلاق معظم دول العالم والتهديد بوفاة الملايين حول العالم يحتاج الباحثون إلى البحث عن دواء فعال وبشكل سريع لاحتواء هذه الأزمة. لذلك كان البحث في الأدوية القديمة والمتاحة عن خيارات تستطيع أن تحارب الفيروس التاجي وتعطيل مساره. تجري جامعة مينيسوتا تجربتين على دواء ضغط الدم (لوسارتان) للوقوف على مدى فاعليته في التقليل من خطر فشل الأعضاء لمرضى كورونا بالمستشفيات وإذا ما كان بإمكانه أن يقلل من الحاجه لدخول المستشفى. فما هو لوسارتان وما هي آلية عمله؟ هو أحد الأدوية التابعة لمجموعة مضادات مستقبلات أنجيوتنسين التي استخدمت لإول مرة في أوائل الثمانينات في علاج ارتفاع ضغط الدم وفي قصور القلب واعتلال الأعصاب السكري. بمستقبل الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2 (ACE2) ونظرا لارتباط ولأن اللوسارتان قد يمنع تلك المستقبلات ، فقد يمنع الفيروس من إصابة الخلايا وهو ما يعني دور محتمل لحماية الرئة من التلف الناجم عن فيروس كورونا. كما قد يعمل اللوسارتان على حماية الرئة من التلف عبر آليات جزيئية منها TGF-β1 وهو عامل النمو المتحول بيتا الذي يفرز البروتين وهو نوع خلوى يلعب دورا في المناعة من تليف الرئة وهي فرضيات تحتاج المزيد من الدراسات. ولكن المخاوف من أن مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين وما يسمى حاصرات مستقبلات الأنجيوتنسين 2 ، والتي تشمل اللوسارتان قد تحفز الجسم على صنع المزيد من (ACE2)بحسب بعض الدراسات وبالتالي زيادة قدرة الفيروس على التسلل إلى الخلايا. وقد وجدت دراسة ايطالية أجريت على 355 مريضًا مصابين بكوفيد في إيطاليا أن ثلاثة أرباع المرضى الذين ماتوا يعانون من ارتفاع ضغط الدم وأن هذا أحد أسباب زيادة قابليتهم للإصابة. وبالتالي فحيز المخاطر والفوائد من استخدام هذا الدواء لازال تحت التجريب والاختبار.

3- هل يتحول دواء التهاب البنكرياس القديم إلى طاقة أمل؟

تعتبر الفيروسات والتي لا نراها بأعيننا المجردة من أكثر التهديدات التي واجهتها البشرية فهي تنتقل عبر الهواء والماء والتربة والقطرات مسببة اكثر الأوبئة المدمرة على الأطلاق والتي حصدت ملايين البشر حول العالم وحتى مع التقدم الكبير الذي حققه العلم لم نستطع سوى أن نقضي على فيروس واحد هو الجدري والذي تطلب جهودا من التحصين على مدى عقود طويلة وتقبع أسباب عديدة خلف الصعوبة في علاج الفيروسات ومنها أن الفيروسات تتكاثر في خلايانا وبالتالي من الصعب إيجاد أدوية تستهدف الفيروسات دون الإضرار بالخلايا كما أن الفيروسات قادرة على التحور السريع مما يفقد الأدوية المخصصة واللقاحات لفاعليتها بمضى الوقت كما أن دراسة كيفية تعامل جهازنا المناعي مع الفيروسات يحتاج وقتا في الدراسة. واليوم يواجه العالم فيروس كوفيد-19 وهو الأشد فتكا بالبشر والأسرع انتشارا حول العالم مما أدخل العلماء في سباق مع الزمن من أجل العثور على علاج يوقف هذا السيل المتدفق من الوفيات والاصابات اليومية بكل دول العالم. لذلك فالبحث عن خيارات علاجية بين الأدوية القديمة الآمنة والمرخصة من هيئات الغذاء والدواء الأمريكية والاوروبية هو بلا شك استراتيجية محمودة العواقب لتخفيف وطأة وباء يصيب الجميع دون تمييز. ومن التجارب المنتظر نتائجها تجربة يقوم بها باحثون من جامعة طوكيو على (Nafamostat mesylate نافاموستات ميسيلات) وهو دواء ياباني قديم يستخدم في علاج التهاب البنكرياس الحاد وكمضاد للتخثر قصير المدى وله بعض الخصائص المضادة للفيروسات والسرطان كما يستخدم أثناء الغسيل الكلوي لمنع تحلل البروتين من الفيبرينوجين إلى الفيبرين. وبحسب جونيشيرو إنوي الاستاذ في معهد العلوم الطبية بجامعة طوكيو وكذلك الاستاذ المساعد ميزوكي ياماموتو من المعهد الآسيوي للأمراض المعدية فإن هذا العلاج قادر بشكل فعال على منع فيروس كوفيد-19 من دخول الخلايا ومن ثم التكاثر داخلها وذلك من خلال تثبيط اندماج الفيروس مع أغشية سطح الخلية المضيفة وهي الخطوة الأولى في رحلة الإصابة بكورونا. وقد أحرز هذا العقار نتائج فعالة من قبل مع متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS-CoV) كما أشار باحثون ألمان إلى فاعلية محتملة لعقار ياباني يستخدم لعلاج التهاب البنكرياس المزمن والتهاب المريء الارتجاعي بعد العمليات الجراحية. وهو (camostat كاموستات) ومن المتوقع بدء التجارب السريرية للعقارين مع إمكانية دمجهما بمضادات للفيروسات يمكنها وقف نسخ محتوى الرنا الفيروسي لكوفيد 19 أو بناء البروتين له مع توقع الدراسات لفاعلية أكبر لنافاموستات.

4- عقار التهاب المفاصل وفيروس كورونا؟

ياله من فيروس غريب!!..يطالعنا كل يوم بكل ما هو جديد ففيروس كورونا والذي يهاجم الرئتين بضراوة كما يستهدف الكليتين أيضا مسببا عدم قدرتها على العمل بشكل صحيح فقد أشارت أحدث الدراسات مؤخرا لإمكانية إلحاقه الضرر بعضلة القلب فما هو السبب وراء كل هذه الأضرار؟ يرى الباحثون أن الجهاز المناعي للإنسان قد يكون هو السبب وراء ذلك ففي مسعاه للتغلب على الفيروس، ينتج كميات مفرطة من مادة السيتوكين وهي مادة كيميائية تتصدي للفيروس فيما يسمى بـ "عاصفة السيتوكين" وفي هذه الحالة يصبح ضرر الجهاز المناعي أكثر من نفعه. حيث تضر السيتوكين الزائدة بالرئتين والقلب، على حد سواء. وتزداد هذه الحالة خطورة لدى كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة مما يجعل مضاعفات الفيروس أكثر وطأة عليهم. ولهذا فقد دخلت العديد من العقاقير المستخدمة في تثبيط المناعة في سباق الحرب ضد فيروس كورونا المستجد إلا أنها ما زالت قيد التجارب السريرية في مستشفيات العالم. وقد اكتشفت الصين عقارا شهيرا لالتهاب المفاصل المزمن يمكنه التصدي لهذا الفيروس المرعب وهو عقار (توسيليزوماب Tocilizumab) والذي تنتجه شركة روش السويسرية تحت اسم ( اكتيمرا )وقد أشار الأطباء الصينيون إلى دور هذا العقار الذي يعطى عن طريق الحقن الوريدي للمرضى الذين يعانون التهابات رئوية نتيجة الإصابة بكورونا في مكافحة رد الفعل المفرط للجهاز المناعي المتمثل في السيتوكين المفرط في الدم لدى المصابين والذي يتسبب في فشل أعضاء جسم الإنسان انتهاءا بالوفاة وتجري مستشفى فيرست بيبول التابع لجامعة العلوم والتكنولوجيا في الصين تجربة سريرية للكشف عن سلامة وفاعلية هذا العقار. وفي الوقت نفسه تأمل التجارب السريرية الايطالية بمستشفى باسكال)في أن يسهم هذا العقار في مكافحة الحالات المستعصية من كورونا بشكل كبير. وقد دخل توسيليزوماب مؤخرا المرحلة الثالثة من التجارب الاكلينيكية بموافقة (FDA) فما هو توسيليزوماب؟ توسيليزوماب هو من الاجسام المضادة وحيدة النسيلة المونوكلونال المنتجة في المختبر ويمتاز المحلول المضاد الوحيد النسيلة بكونه يعمل ضد مستضد معين الانتيجين antigen)) ويمكن إنتاجه بكميات كبيرة على عكس الأجسام المضادة الطبيعية في الدم والتي تشكل خليط من عدة أجسام مضادة تتفاعل مع كثير من المستضدات. ومن الدراسات الصينية التي ينتظر نتائجها بشغف في الفترة المقبلة هو اختبار فاعلية وسلامة استخدام توسيليزوماب مع مضاد الفيروسات) الياباني (( Favipiravir فافيبيرافير والذي سبق وأعلنت الصين في وقت سابق عن نتائج مبشرة له في علاج مرض فيروس كورونا 2019.

5- مضاد الطفيليات والكورونا في دراسة استرالية طريفة قدمها معهد موناش للطب الحيوي ومعهد بيتر دوهرتي للعدوى والمناعة أكدت ان دواء (ايفرمكتين Ivermectin) قادر على كبح جماح فيروس كورونا مختبريا في غضون 48 ساعة فما هو ايفرمكتين؟

هو من الأدوية المضادة للطفيليات والمعتمدة من (منظمة الغذاء والدواء FDA) ويستخدم منذ السبعينات من القرن الماضي في علاج عدوى قمل الرأس والجرب والاسكارس وداء الفيل وغيرها ومن أعراضه الجانبية الدوار والنعاس و التعب وفقدان الطاقة وآلام المعدة والغثيان وآلام المفاصل وتضخم الغدد الليمفاوية والحكة ويمنع استخدام الإيفيرمكتين للأطفال دون سن الخامسة أو الذين يقل وزنهم عن 15 كجم، والسيدات الحوامل والمرضعات، والأشخاص المصابين بأمراض الكبد أو الكلى. نعود إلى الدراسة الأسترالية : وطبقا للدراسة والتي اعتمدت على استخدام جهاز RT-PCR في فحص الرنا الفيروسي لكورونا فقد استطاع ايفرمكتين ان يحدث انخفاضا في المحتوى الوراثي الفيروسي بنسبة 93٪ وفي الوقت نفسه استطاع أن ينال من قدرة الفيروس على التكاثر داخل الخلية بنسبة 99.8٪. ولقد أشارت دراسات سابقة لامتلاك ايفرمكتين لتأثير مثبط للفيروسات مثل دوره الفعال في علاج سارس المنتمي لنفس عائلة كورونا وكذلك فيروس نقص المناعة المكتسبة وحمى الضنك وتعتمد آلية عمل ايفرمكتين مع الفيروسات ذات محتوى الرنا على كبح (importin α/β-mediated nuclear import) وهو مسار يحكم عملية التكاثر الفيروسي داخل الخلية ولا زال الوقت مبكرا للحكم اذا كان هذا المسار ذاته يحكم تكاثر كورونا. ويحتاج الحكم على جدوى هذا العقار من عدمه على التجارب السريرية عليه وتحديد الجرعة البشرية المناسبة لذلك فينبغي الحرص وعدم المسارعة لشراء هذا الدواء حتى تكتمل الدراسات حوله والتجارب السريرية و يحصل على الاعتماد من الجهات الصحية المختصة ويكون تحت إشراف طبي كامل.

د. محمد فتحي عبد العال صيدلي وماجستير في الكيمياء الحيوية ودبلوم الدراسات العليا في الميكروبيولوجيا التطبيقية ورئيس قسم الجودة بالهيئة العامة للتأمين الصحي فرع الشرقية بمصر سابقا

مواضيع ذات صلة