موفق الأحمد لـ"أيام كندية":
يتألّف الصوت من سبع طبقات عازمٌ على تقديم أبحاثي في الصوتيّات لكلّ الأجيال
عامر فؤاد عامر
صِفِ الحقيقةَ للشبانِ يا قلمي فكلُّ ظنّي أن الوقتَ قد حانَ وقلّْ ما فيهِ إصلاحاً لفاسِدهم فقد يصادفْهُ مِنك القولُ أذانا كان هذا المقطع الشعري ملفتاً للانتباه منذ جلستي والأستاذ موفق الأحمد، وقد ألقاهُ على مسمعي، بصوته ذي الخصوصيّة الحاضرة في أذهاننا مذ كنا أطفالاً فأخذنا بشغف صوت الشخصيّات في عالم الكرتون إلى دنيا الخيال.
في لحظةٍ واحدةٍ تتجسّدُ مئاتُ الشخصيّات أمامي عبر حنجرةٍ رنّانةٍ تعبقُ بالتجربة، وتزدحمُ بملايين الآذان المصغية له على امتداد وطننا العربي، لكن اللقاء اليوم له بعدٌ أعمقْ، وله ابتهالهُ الخاصّ، فالفنان موفق الأحمد يحمل في جعبته أبحاثه الخاصّة في "الصوت"، ومنذ مدّةٍ قصيرةٍ تابعتُ أخبارَ منشورهِ الأوّل بعنوان "درر الإلقاء" الذي قدّمه له الأستاذ فاروق حيدر، وبعد تعاظم الرغبة لديَّ في لقاء صاحب صوت "المعلّق الرياضي – الكابتن ماجد، الجزء الثاني"، و"الراوي – الصيّاد الصغير"، و"والدُ فيكي – الفايكينغ"، و"خلدون – لحن الحياة" والمزيد من الشخصيّات العالقة في ذاكرة طفولتي أنا وأبناء جيلي جميعاً، أحببت أن أسمعَ منهُ شخصيّاً الإجابة على عددٍ من الأسئلة، والاستفسارات التي طرقت الذهن، ولا شافياً لها إلا من خلال هذا الكيان الإنساني الصامد، والمعطاء، والحقيقي في لغة الفنّ الخاصّة جداً.
"في جعبتك عددٌ من أبحاث الصوت، تُغرق بها في عالم الإلقاء وعلم الصوتيّات، فهل أنت تعملُ لجيلٍ قادم؟" وكان هذا سؤالي الذي أجابني عليه مطوّلاً، وأقتطف منه ما يلي: "أنا أعمل لكلّ الأجيال، اليومَ وغداً وبعده، وما أنوي عليه هو تقديمُ هذه الأبحاث في كتب، وأن أوثّقها خدمةً لكلّ الأجيال القادمة، ففي السلم الموسيقي لدينا سبعُ درجاتٍ موسيقيّةٍ، أمّا في الصوت فقد وجدّتُ أنّه مؤلف من سبعِ طبقاتٍ متمايزةٍ، ولا بدّ لكي يكون الطالبُ مُتقناً للإلقاءِ أن يترجمَ ما يقرأُ وما يسمعُ لصورةٍ دقيقةٍ وإبداعيّةٍ، ولكن كيف ذلك؟
سيكون عبر قراءة نصٍّ واحدٍ بعلامةٍ واحدةٍ من العلامات السبع، إلى أن يتقن ذلك، ثم الانتقال للعلامة التالية وهكذا مروراً بباقي العلامات، وعندما ينتهي الطالبُ من هذه العلامات السبع؛ عندها يمكن أن يكون مُلقٍ جيّد، أيّ أن لديه إتقاناً لسبعِ درجاتِ في السبع طبقات".
شرح "الأحمد" أن الصوت لا يُقسم إلى جميل وغير جميل، بل الأمر مرتبطٌ بأسلوب إلقائي جميل أو غيره، ولا يمكن أن يكون إلا بتدريب الجهاز الصوتي بدءاً من الحجاب الحاجز وانتهاءً بالشفتين، كما أن تدريب المُلقي على النطقِ يحتاجُ سرعةً ولا يحتاج إلى زمن، ويكون ذلك بحسب استيعابه وصبره على التدريب، كما أشار إلى أنّ مسألة الوصول للملقي مسألة صعبة كثيراً، ومن الأمثلة على من أتقن ذلك الأستاذ فؤاد الراشد الذي درسه في المسرح، ويعدّه ملقياً بارعاً، والراحل نزار شرابي الذي علمه في الإذاعة، والأستاذ فاروق حيدر الذي علمه قواعد العمل الإذاعي وقدم له الكتاب، وبالنسبة لمن أتى بعدهم اختار الإعلامي مروان صواف، وذكر إلى أنه لم يأتي إعلاميّاً يتقن الإلقاء بعده.
ذكر لنا الفنان موفق الأحمد العديد من التدريبات والمعلومات في كتابه الأوّل، وسيذكر القسم الأكبر منها في كتابه الثاني الخاصّ "بسيكولوجيا الحرف"، ولا يسعني هنا أن أزودكم بالمعلومات القيّمة التي قدّمها، لكن لا بدّ لي أن أذكر تفاصيل وذكريات تخصُّ مسيرة هذا الفنان الخاصّ جداً:
شارك الفنان موفق الأحمد مع نهاية سبعينات القرن الماضي بدوبلاج الرسوم المتحركة، ومن أجمل الأشياء التي حدثت معه أنه وأثناء العمل مع المخرج نقولا أبو سمح في لبنان أوكلَ إليه مهمّة دوبلاج فيلم كرتوني مؤلّف من ثلاثين شخصيّة فقدّمها جميعها بصوته، وكان تحدّياً كبيراً إذ لا تشابه بين أيِّ منها مطلقاً، ومن أمتع التجارب التي تعدّ عزيزة عليه في عالم الدّراما الإذاعيّة شخصيّة "الأخرس" في برنامج "محكمة الضمير" من إخراج محمد غزاوي وتأليف أحمد السيّد، كما يعدّ هذا الفنان رائداً في تنفيذ مونودراما إذاعيّة على مستوى الوطن العربي، فهو صاحب التجربة الأولى فيها من خلال مسرحيّة "النعنع البري" التي أعدّها للإذاعة د. ماهر خولي عن رواية للكاتبة أنيسة عبود، وأخرجها للإذاعة مروان قنوع.
لا بدّ من التذكير أيضاً بشخصيّة راعي البشر في مسلسل "قمر أيلول" التي قدّمها الفنان موفق الأحمد بصورةٍ مثاليّة وببعدٍ شاعريّ، على الرغم من مشاركاته القليلة في الدّراما التلفزيونيّة، والتي لم تجذبه منذ بدايات تخرجه من المعهد العالي للفنون المسرحيّة 1987، وهو مع تجربته في الإذاعة يَعُدُّ هذا النوعَ من الفنّ هو الأساس في التجربة الفنيّة وبعده يأتي المسرح، وباقي الأنواع لا تحمل الوزن القوي مقارنةً بها.
آخر مشاركات الفنان موفق الأحمد كانت في مسرحيّة "حياتكم الباقية" للمخرجة سهير برهوم، وفي إذاعة دمشق يُبثُ له برنامج "من الحياة" تأليف وإخراج فاروق حيدر، و"ظواهر مدهشة" تأليف طالب عمران وإخراج مازن لطفي.