مأمون علواني بين الفنّ التّشكيلي وصناعة الإعلام العربي

    مأمون علواني بين الفنّ التّشكيلي وصناعة الإعلام العربي
دمشق – عامر فؤاد عامر

غالباً ما نشهد في الإعلام العربي وجود برامج شهيرة تترك أثرها لدى الجمهور، لكننا لا نعلم من يقف وراء فكرة البرنامج، وصناعته، وتنفيذه، وهذا هو نوع من الغبن يلحق بالمؤلّفين وصنّاع الفكرة، وكأن من يبدع الفكرة وينفذها محكومٌ عليه البقاء في الظلّ! ومن بين تلك الأسماء، مبدع قدّم بصمة لافتة للمشاهد العربي، وعبر كلّ تجربة كان له حضور مميّز، وجهد فردي يقابل جهد فريق، ولا نبالغ إن قلنا جهد مؤسسة كاملة، وأحياناً من إمكانياتٍ متواضعة يصنع ما يُبهر ويُلفت، ونتحدث هنا عن الدكتور مأمون علواني.
درس الفنون الجميلة في جامعة دمشق، وتخرّج منها ليكون الأوّل على دفعة العام 1987، بعدها انتقل لمتابعة دراسته في بعثة إلى كليّة الفنون الجميلة في روما، قسم التصوير الزّيتي، ثم دراسة الإخراج، وفنّ الاتصال، في روما العام 1993، ليحصل فيما بعد على درجة الماجستير في النّقد الفنّي من كليّة الفنون الجميلة جامعة لاهاي الدّوليّة في هولندا.
زادت دراسة الفنّ التشكيلي الدّكتور "علواني" ثقةً بالحياة، وجعلته أكثر تصويباً للهدف الذي يسعى إليه، وهنا نذكر برنامج "ألواني" الذي كان صاحب فكرته وإعداده وتقديمه، وقد عُرضَ على قناة أبوظبي، فيه تناول الحديث عن أهمّ لوحات الفنّ التشكيلي العالميّة، والحياة التشكيليّة، وزمن العمل والفترة التي عاش فيها الفنان صاحب اللوحة، وعمل على تشريحها، ونقدها، وتقريبها أكثر للجمهور العربي، وهي غاية نبيلة لا بدّ من التماس التقدير لها كتجربة نادراً ما التفت إليها الإعلام العربي.
هل توقف د. مأمون علواني عند هذا الحدّ؟ بالتأكيد لا فالإعلام كان مسرحاً مهمّاً له، وجد لنفسه فيه مساحةً من الإبداع ولغة التواصل مع الجمهور بالتوازي مع مزاولة الفنّ التشكيلي، وقد عمل في ميدان الصحافة مع وكالات إعلاميّة مهمّة داخل الوطن العربي وخارجه، لكن إحدى أكثر المحطّات اللافتة في عمله الصحفي هي اشتغاله في منصب مدير مشاريع التّلفزيون في شركة أبو ظبي للإعلام، وهنا قدّم أفكاره الجديدة في طريقة عرض البرامج التّلفزيونيّة، واقترابها أكثر من المشاهد العربي، وحقيقةً كان ولأوّل مرّة يتمّ تنفيذ فكرة جديدة عربيّة غير مستنسخة من برنامج غربي، ونتحدّث عن برنامج "مذيع العرب"، الذي نال متابعة جماهيريّة واسعة، وتمّ عرضه في قناة أبو ظبي، والحياة المصريّة، وصنع عدّة مذيعين نالوا شهرة كبيرة في الوطن العربي، وكان من المفترض طرح موسم جديد منه نتيجةً لنجاح التجربة، لكن لم يتحقق ذلك لظروف إداريّة في الشركة.
 كان أيضاً في نفس السياق برنامج "عرب كاستينج" و الهدف منه البحث عن ممثلين جُدد لمسلسل تلفزيوني، عبر التقليد المهني المتعارف عليه، في شركات الفنّ العالميّة "الكاستينج" قبل البدء بعمليات التصوير، وأيضاً كان لهذا البرنامج تأثيره، ووقعه المميّز بين الناس من خلال نسب المتابعة المستمرة، وعرض على القنوات أبو ظبي، الشّروق الجزائريّة، النهار المصريّة، وإم تي في اللبنانيّة، وصدّر عدد من نجوم التمثيل في عدّة دول عربيّة.
ركّز الدكتور مأمون علواني على الشباب العربي، منذ بداية عمله في الحقل الإعلامي، وتوجيه المادّة نحو فائدتهم، يتضح ذلك بقوّة في البرامج التي قدّم أفكارها وأشرف على تنفيذها، وقلّما نجد هذا التركيز والاهتمام بأهمّ شريحة في مجتمعنا، ومن الملفت أيضاً أن نبيّن سعيه الحثيث لتبنّي الشباب في العديد من مشاريعه، فنجده على وعيٍّ دائم لالتقاطهم والدّفع بهم.
لا بدّ للقافلة من السير لتحقق أهدافاً متجددة، ومن يمتلك أفكاراً تتناغم ولغة العصر كالدكتور مأمون علواني لا بدّ له من البحث والتجريب والبناء من جديد، فقد يفتح "الأبواب" على مصراعيها للشباب العربي وإظهار المواهب التي تستحق في ميادين العمل كالإعلام، والتمثيل، وجوانب الإبداع الأخرى، وهذا ما لمسناه من مسيرة عمل مهنيّة كبيرة قدّمها "علواني" ونذكر هنا أيضاً البرامج التي كان لها وقعٌ على الجمهور مثل "ريتينغ رمضان" الذي عُرض في قنوات أبو ظبي، والنّهار، وإم تي في، وهو برنامج يستضيف نجوم المسلسل، والقائمين على صناعته، في جلسةٍ حواريّة، يكشفون فيه تفاصيل مهمّة عن العمل، وكلّ ذلك تمهيداً للمنافسة مع المسلسلات الأخرى، ويبقى في النهاية مسلسل وحيد رابح بينها كلّها بعد الانتهاء من العرض على الشاشة، وبرنامج "دبوس هويدا" المُختص بالموضة وتصميم الأزياء وأعمال الفنانين التشكيليين، والذي عرض على وسائل التواصل الاجتماعي.
اليوم وأمام كلّ هذا الضجيج، ومع غياب الرؤية الواضحة لدعم مستقبل الأجيال القادمة بتنا نبحثُ عن الأمل في شخصيّات داعمة للشباب العربي، أمثال الدكتور مأمون علواني، لذلك نقول ألا يجدر بالإعلام إنصاف أولئك الداعمين الذين يسعون بجهودهم الفرديّة لتحقيق غاياتٍ يتشرف بها الجميع؟!
أيام كندية

مواضيع ذات صلة