غوطة دمشق وربوتها بقلم الباحثة هلا قصقص
غوطة دمشق وربوتها
بقلم الباحثة هلا قصقص
اشتق اسم الغوطة من الغائط، ومعنى الغائط المطمئن إلى الأرض، وقال ابن الأعرابي : الغوطة مجمع النبات، وورد اسم الغوطة بلفظ التثنية في الشعر القديم والحديث، قال أبو المطاع بن حمدان :
سقى الله أرض الغوطتـين وأهـلـهـا فلي بجنوب الغوطتين شجون
وما ذقـت طعم الماء إلا استـخـفني إلى بـــردى والنــيـربـين حــنــين
ويستنتج من كتب الجغرافيا والتاريخ والشعر وأدب الرحلات، أن الغوطة هي كل ما أحاط بدمشق، تروى من نهر بردى، وما اشتق منه من جداول وأنهار صغيرة، وعلى هذا فحد الغوطة يبدأ غرباً من فوهة وادي الربوة، فالمزة فداريا وينتهي بالجنوب بصحنايا والأشرفية وسبينة، ومن الشرق الريحان والشفونية وحوش المباركة والنشابية، وينتهي في الشمال بجبل قاسيون، ويقدر طول الغوطة بنحو عشرين كيلومتراً وعرضها يختلف بين 10 و15 كيلومتراً تقريباً، ولم يكن الدمشقيون يحارون أين يقضون أوقات المتعة والصفاء سواء في الربيع والصيف، وعندهم الغوطة والجبهة ووادي البنفسج، إن أشهر ما في الغوطة أشجارها وثمارها وأزهارها، واعتنى أهالي دمشق بأشجار الغوطة وتفننوا فيها، ويقال : إنه كان في الغوطة أشجار تحمل الواحدة منها أربعة أنواع من الفاكهة : كالخوخ والمشمش والتفاح والإجاص والكرمة والتوت، فضلاً عن أشجار اللوز والحمضيات .
انتشرت أشجار التوت بشكل واسع في منتصف القرن التاسع عشر نظراً لازدهار صناعة الحرير في تلك الفترة. أما أشجار المشمش والجوز، فهي من أكثر الأشجار عدداً وشهرة، فقد عرفت الغوطة 21 نوعاً من المشمش و52 نوعاً من العنب، وهذه أسماء قرى الغوطة بأجمعها : الأشرفية – بالا – ببيلا – برزة – بلاس – البلاط – البويضة – بيت سحم – بيت سوا – بيت فوقا – حجيرة – الحديثة – حرستا – حزة – حمورية – حوش الريحانية – جرمانا – جسرين – جوبر – الخيارة – داريا – دوما – زملكا – زبدين – سبينة – سقبا – صحنايا – عربين – عقربا – عين ترما – القابون – القدم – قبر الست – كفر بطنا – كفرسوسة – المحمدية – مديرة – المزة – مسرابا – المليحة– يلدا.
أما الربوة فحدودها الحالية تبدأ غرباً عند موقع جسر الخشب حيث مقسم نهر ثورا، وهناك قصر عثماني قديم يعود لآل العظم (مطعم القصر حالياً)، ومن الشمال جبل قاسيون ومن الجنوب جبل المزة، وينتهي الوادي شرقاً عند خانق الربوة حيث صخرة المنشار، وإلى الغرب من جسر تشرين. وصف ابن بطوطة الربوة، كما وصفها البدري في القرن التاسع الهجري، وابن طولون في القرن العاشر الهجري عندما قال : (الربوة أعظم منتزهات دمشق، كانت بها أربعة مساجد وجامع ومدرسة، وكان بها /التخوت/ وهو قصر مرتفع على سن الجبل، وكان بها خمسة مقاصف اثنان شرقي نهر بردى وثلاثة غربية، كما كان بها كثير من القصور والأبنية على طرفي واديها). وفيها أيضاً زاوية خضر العدوي التي بناها الملك الظاهر بيبرس، كما بنى نور الدين الشهيد فيها قصراً للفقراء، وكانت الربوة زاخرة بمزارع الزعفران، كما كان دير (مرّان) يشرف عليها من سفح جبل قاسيون المطل على دمشق من جهة الغرب وبقي عامراً حتى القرن السابع للهجرة. ويحمل الجبل الغربي للربوة اسم (الدف) لكثرة مزارع الزعفران التي كانت فيه، كما يحمل الجبل الشرقي اسم (الجنك) لأن رأسه يشبه آلة الجنك وهي عود ذات رقبة طويلة، وهذا الجبل الأخير هو القسم الغربي لجبل قاسيون. أحرق الصليبيون الربوة عند حصارهم دمشق سنة (543هـ/1148م) ثم خرّب ما تبقى من قصور الأغنياء في القرنين الحادي عشر والثاني عشر للهجرة على يد الإنكشاريين والعثمانيين، لذلك اعتبر دخول العثمانيين دمشق سنة (922هـ/1516م) بدء خراب قصور الربوة. كما يصف ابن الراعي الربوة قائلاً : (الربوة ذات المنشار، والنسائم المعطرة بطيب الأزهار، وأنهارها السبعة تمشي بها الكواكب في الفلك الدوّار، والمقاسم التي تطرد الأحزان بسلالها، وتروي حديث الشفاء عن عسّالها، وسرادقات الجنك والعود، ونافحات الزهر التي تضاهي شذى العنبر والعود، وصادحات أطيارها التي أعطيت من مزامير آل داوود، وقد اعتنت الشعراء في وصفها، وترنموا بذكر جنكها ودفها).