رمزية الماء في الحضارة الإسلامية بقلم المهندسة الباحثة هلا قصقص
قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾. احتل الماء مكانًا بارزًا في الثقافة العربية الإسلامية، فكان المسلمون ينشئون المدن ويقيمون العمران، قريبًا من الوديان ومنابع الماء. وتيسيرًا منهم لوجود الماء في كل وقت، لاسيما ما يحتاج منه للشرب والسقي والوضوء والاغتسال، فإنهم لجؤوا إلى شق الأنهار وحفر الترع، وبناء الخزانات والسدود، وجرّ القنوات، واتخاذ الحمامات والمتوضآت والسقايات العمومية في كل حي، كما كانوا يوصلون الماء للدور، دون إغفال البِرك والفِسقيات التي غدت جزءًا من هندسة المساجد والبيوت والحدائق. وبذلك لم يقتصر إبداع المهندس المسلم على الجانب المعماري و حسب، بل إن آيات الإبداع تجلت في فروع هندسية أخرى كثيرة ومنها (الهندسة الهيدروليكية) التي تُعنى بأنظمة الري، وإمداد المياه. وقد ظهر ذلك جليًا في العديد من حواضر العالم الإسلامي، إلى جانب ما كان للمسلمين من إحساس خاص نابع من دينهم للحاجة إلى الماء النظيف والمتجدد، فضلاً عن الاحتياج الفطري للماء العذب الذي تُعَدُّ مصادره ثروة لا تُقَدَّر بثمن في أي مجتمع. حاول العرب استغلال مصادر المياه في وجوه عدة، فاستعملوا المياه التي قاموا بتوزيعها في البرك والنافورات لأغراض الري.
وقد اختلفت أشكال المسطحات المائية باختلاف أماكنها في الحديقة، وحسب الغاية المرجوة منها، فكانت مساحة المسطح المائي تتناسب مع مساحة المكان الذي وُضع فيه، فكلما ازدادت مساحة الحديقة وازدادت عدد أشجارها ونباتاتها ازدادت مساحة المسطح المائي فيها والعكس صحيح. وقد تم وضع العنصر المائي في الحديقة العربية الإسلامية بشكل مركزي لإظهار أهميته بين العناصر الأخرى. وقد اختلف توضع العنصر المائي وشكله بين المشرق والمغرب، ففي المشرق حيث أنشئت الحدائق في الصحراء مكملة للبيوت والقصور كان عنصر الماء صغير بسبب ندرة الماء في هذه المناطق، أما في الأندلس فقد كانت وفرة المياه تتيح للمصمم وضع عدد كبير من المسطحات المائية داخل الحديقة. إن العلاقة بين عنصر الماء وبقية مكونات الحديقة علاقة قوية، فالماء هو أكثر العناصر حيوية في الحديقة، فقبل تصميم أي حديقة ووضع أي مخطط لها كانت تتم دراسة سابقة للطريقة التي سيتم توزيع الماء فيها سواء للري أو لأغراض جمالية وتزيينة، فالأمران مرتبطان ببعضهما وذلك لأن العرب استفادوا من العناصر التزيينية المائية ووصلوها بقنوات ليستفيدوا من مياهها في ري نباتات الحديقة. وبذلك أخذت الحديقة شكلها وتصميمها وتوزع النبات فيها تبعاً لتوفر عنصر المياه، وبهذه الطريقة أصبحت مساحات هامة في المدن العربية الإسلامية بساطاً أخضر يشتمل على مختلف أنواع النباتات. شكلت النوافير مكوناً من المكونات الأساسية للمعمار المائي في المدينة الإسلامية، وعادة ما كانت تتوسط صحون المساجد والقصور والحدائق، فهي تعكس متانة الصلة بين الماء وثقافة الترف لدى المسلمين، إذ يكشف تصميمها عن مهارة فائقة في هندسة توزيع المياه، وإن كانت متباينة الطرز. كما أبدع المسلمون في علم الحيل: هو العلم الذي يبحث في الآلات الميكانيكية والتجهيزات المائية، وقد كان لهم فيه أهداف كثيرة، فقد كانوا يسعون من ورائه إلى البحث عن الطرق الأسهل لجر ورفع الأثقال وتسيير الأجسام والآلات بالقوة اليسيرة، مثل آلات إخراج الماء من الآبار ورفعه من الأنهار، وعمل النوافير، وعلم إنباط المياه. وقد ذكر ابن العوام أن الري قسمان: "أولهما: السقي بالعيون ومن الأنهار والسواقي، والقسم الثاني: شاق ومتعب وهي: السقي بالآلات والنواعير والدلاء التي تدور بها الإبل والحمير والبغال". ولقد انتشرت آلة الساقية في الأندلس وتم استغلالها بشكل واسع، وقد قدّم ابن العوام الإشبيلي في كتابه الفلاحة الأندلسية وصفاً مهماً لآلة الساقية كما تضمن إشارات واضحة على أن الدولاب المسنن العمودي يجب أن يكون أكثر وزناً من المعتاد، لأن ذلك يساعد على انتظام واتزان آلة الساقية أثناء دورانها، وهذا دليل على أن ابن العوام كان على اطلاع ومعرفة بآلية دولاب التوازن