رحلة مع المشروبات الغازية (الجزء الاول) بقلم د.محمد فتحي عبد العال كاتب وباحث مصري
رحلة مع المشروبات الغازية (الجزء الاول)
بقلم د.محمد فتحي عبد العال كاتب وباحث مصري
قد تبدو المشروبات الغازية لذيذة ومنعشة، خاصة في الأيام الصيفية ، ولكن محتواها يشير إلى وجود مخاطر صحية تشمل الأسنان والعظام والبدانة، مما يدفعك للتفكير مرات عدة قبل تناولها.
يتكون المشروب الغازي من أربعة مكونات، الماء وغاز ثاني أكسيد الكربون الذي يذاب فيه تحت الضغط، وهذا ما يجعل المشروب فواراً ومادة تحلية كالسكر أو شراب الفركتوز أو الأسبارتام، بالإضافة لملونات ونكهات، مما يعني أن المشروبات الغازية خالية من أية قيمة غذائية، فهي خالية من الفيتامينات وغنية بالأصباغ والنكهات الصناعية، وهي لا تعطينا سوى السكر الذي يزيد مخزون الشخص من الطاقة من دون أن يشبعه.
تبدأ الرحلة مع السجل التاريخي لهذه المشروبات في وقت مبكر من القرن الثامن عشر، حينما اكتشف البريطاني جوزيف بريستلي (مكتشف الأكسجين) وسيلة غرس الماء مع ثاني أكسيد الكربون وذلك عام 1767، ومن ثم ساعد في ظهور صناعة المياه الغازية وروَّج لها باعتبارها معالِجة لمجموعة مختلفة من العلل، على سبيل المثال كانت مياه الصودا توصف بأنها علاج للسمنة.
وتعتبر شويبس هي أقدم المشروبات الغازية؛ حيث تأسست عام 1783 في جينيف لصاحبها جوهان شويب، وتسربت الفكرة إلى الصيدليات لتصبح محلاً للمنافسة، فقد ابتكر الصيدلاني والضابط السابق في الجيش الكونفدرالي الأميركي، جون بيمبرتون المدمن على المورفين عام 1886 بديلاً للكحول من نبيذ الكوكا محتويا علي الكوكايين والكافيين وسمي كوكاكولا، معلناً أنه المشروب المعالج للصداع وينعش الجهاز التناسلي، ومعالجاً لإدمان المورفين، وكان يقف أمام صيدليته “جاكوبس”، وهو يحمل إبريقاً يعبئ منه زجاجات سعر الواحدة 5 سنتات.
ثم ظهر منافساً للكوكاكولا مشروب غازي ابتكره الصيدلاني كاليب برادهام عام 1898 للمساعدة على الهضم وتعزيز الطاقة، ويبدو أن مكونَيه الرئيسيين – مادة البيبسين (إنزيم هضمي) والكولا – هما السبب وراء تسميته بيبسي كولا، وفي عام 1929 أطلق رجل الأعمال تشارلز إل جريج مشروباً غازياً جديداً سماه “صودا حامض الليمون بالليثيوم”، وذلك لاحتوائه على سترات الليثيوم (يستخدم إلى الآن في علاج الجنون)، واستخدم في تسويقه شعار (تخلص من الألم والضيق)، ثم تغير اسم المشروب فيما بعد إلى” سفن أب”، أما مشروب الفانتا فكان اختراعه من نصيب ألمانيا النازية عام 1947 للتغلب على الحظر المفروض عليها من جانب قوات الحلفاء.
كان دخول المشروبات الغازية إلى مصر في الأربعينات من القرن الماضي ودارت معركة كان أطرافها رجال الأعمال وأقطاباً سياسيين ورجال الدين، فكانت فتوي الشيخ سيد قطب، عضو جماعة الإخوان بتحريم بيبسي كولا لاحتوائها علي مادة البيبسين التي تُستخرج من أمعاء الخنازير، وقد اكتسبت الفتوى بُعداً سياسياً بتبني أحمد حسين زعيم حزب مصر الفتاة لها، فيما خرجت فتوى مفتي الديار المصرية آنذاك الشيخ حسنين مخلوف بأن البيبسي شراب طيب حلال!!! وهو ما أكده عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشيخ محمود شلتوت بصفته عضواً في لجنة الفتوى بالأزهر الشريف عام 1951.هذه الفتاوي العبثية تنقلنا الي مشاهد مماثلة من العقد الاول من القرن السادس عشر بمصر حينما افتي الفقيه الشافعي احمد بن عبد الحق السنباطي بحرمة شرب القهوة فأجتمع المتشددون واغلقوا الحانات وهدموا كوانين القهوة وكسروا أنيتها ومع تصاعد حدة المشهد تدخل قاضي مصر الشيخ محمد بن الياس الحنفي وصنع القهوة في منزله لاختبار تأثيرها واثبات انها غير مسكره!!.الا ان الواضح ان المعركة بين محرمي القهوة ومحلليها لم تتوقف عند هذا الحد واسفرت معارك القهوة عن قتلي وجرحي!! مما استدعي تدخل السلطان العثماني مراد الثاني والذي عزل المفتي الذي حرم القهوة وعين مكانه من حللها!!! .ولاننا أمم لا تتعلم من تاريخها فقد بقي دور رجل الدين الذي يحلل ويحرم ويجرب دون سند علمي حتي يومنا هذا !!!...وللحديث بقية.