دمشق.. هل تُوصف دمشق؟ بقلم الباحثة هلا قصقص
دمشق.. هل تُوصف دمشق؟
بقلم الباحثة هلا قصقص
هل تصور الجنة لمن لم يرها ؟ دمشق .. التي يحضنها الجبل الرابض بين الصخر والشجر، والمترفع عن الأرض ترفع البطولة، والخاضع أمام السماء خضوع الإيمان، دمشق التي تعانقها الغوطة، الأم التي تصغي إلى مناجاة السواقي والجداول المنتشية من رحيق بردى، وهمس الزيتون وأغاني الحور الجالس على أطراف السواقي ليغازل أشجار المشمش والرمان، دمشق التي تحرسها الربوة التي أعطاها الله نصف الجمال حين قسم في بقاع الأرض النصف الثاني. دمشق أقدم عاصمة في الأرض قدماً وأرسخها في الحضارة قدماً .
تعددت أسماء هذه المدينة عبر التاريخ، وأخذت تسميات مختلفة بقي العديد منها إلى وقتنا الحاضر. وكانت هذه التسميات متأثرة بمن حكمها: وأول تسمية لها الشام – دمشق – جلق، وإرم ذات العماد، وبيت رامون، وباب الكعبة، ثم فسطاط المسلمين، إلا أن أكثر هذه الأسماء اشتهاراً عبر تاريخها هو دمشق ويذهب المؤرخون إلى أن أصل هذا الاسم كلداني. فقد ذكرته آثار معبد الكرنك في القرن السابع عشر قبل الميلاد، وكتابات تل العمارنة في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، وقائمة تحوتمس باسم دماسكو أو تمسقوفي بالكتابة الهيروغليفية، وتعني الزهرة المثمرة نسبة إلى غوطتها المزهرة المثمرة.
ومدينة دمشق أقدم مدن الأرض المسكونة بعد أريحا، شاهدت هذه المدينة أحداثاً نشيطة على امتداد أربعة آلاف سنة، ولديها إرث تاريخي ضخم كونها جزءاً هاماً من أعظم الامبراطوريات عبر التاريخ، فحضارتها تعود للشعوب التي مرت عليها، فمنهم الآراميون والفينيقيون والحثيون والعبرانيون والآشوريون والبابليون والفرس واليونان والرومان والعرب ومن جاء بعدهم من الأمم الأخرى، كالسلاجقة والفاطميين والأيوبيين والمماليك والعثمانيين، وبقيت أنقاض العديدمن أبنية هذه الأقوام ومنشآتهم التي شيدوها دفينة تحت ترابها أوماثلة للعيان حتى وقتنا الحاضر .
فُتحت دمشق على يد العرب المسلمين في شهر رجب من عام 14هـ/635م، وفي سنة 41هـ/616م، استطاع معاوية بن أبي سفيان أن ينشئ الخلافة الأموية فجعلها عاصمة لدولته، واستمرت دمشق هكذا إلى أن سقطت الدولة الأموية بيد العباسيين في رمضان سنة 132هـ/750م، وأصبحت مجرد ولاية عباسية، فأصابها ما أصابها من الإهمال، والخليفة العباسي الوحيد الذي حاول أن يعيرها اهتماماً هو المتوكل، حيث أقام فيها لفترة قصيرة، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لإعادة الازدهار إليها، وعندما بدأت الدولة العباسية بالتمزق إلى دويلات، وظهور الدولة الطولونية في مصر سنة 264هـ/878م، وقعت دمشق في قبضة أحمد بن طولون مستقلة عن دار الخلافة في بغداد، وعندما كان الإخشيديون يحكمون مصر في القرن الرابع للهجرة، كانت دمشق ولاية تحف بها المخاطر ولا يستتب الأمر فيها لمن يملكها، وعندما انهارت دولة الإخشيديين على يد الفاطميين استولى عليها الفاطميون سنة 358هـ/999م، وحكموها قرناً لم تكن فيه أسعد حالاً من السابق، وخرجت دمشق عن طاعتهم لتتعرض إلى حريق على يد القرامطة، وبعد ذلك بقرن من الزمان سادها الاضطراب والشغب إلى أن جاء القائد أتسز السلجوقي سنة 468هـ/1086م، فانحسر الحكم الفاطمي عنها إلى الأبد، ولم يدم حكم إتسز طويلاً كما لم تنشط فيها العمارة حيث عاشت فترة عصيبة وعاصفة بتعرضها لضغط الفرنجة الصليبيين الذين زحفوا على بلاد الشام، وهددوا دمشق مرات عديدة، فهاجموها سنة 543هـ/1148م، إلى أن استطاع نور الدين زنكي من الاستيلاء عليها عام 549 للهجرة.
كان حكم نور الدين زنكي في دمشق فاتحة عهد جديد من الرخاء والقوة، ويعتبر عهده مع عهد صلاح الدين أزهر أيامها، ثم مالبث أن قضت غزوة هولاكو المغولية على الحكم الأيوبي فيها، إلى أن زحف عليها مماليك مصر بعد انتصارهم في عين جالوت، لتصبح دمشق أهم الولايات المملوكية في بلاد الشام، وعادت دمشق إلى سابق ازدهارها خاصة في عهد الظاهر بيبرس، وفي عام 699هـ/1300م، تعرضت لغزو مغولي سبب لها أضراراً كبيرة مما جعلها لقمة سهلة بيد تيمورلنك، فأصابها بضرر كبير إلى أن سقطت بيد العثمانيين أثر معركة مرج دابق سنة 923هـ/1516م، ولتصبح مركزاً لولاية دمشق العثمانية، ولقد أولى العثمانيون دمشق بعض عنايتهم نظراً لأهميتها الدينية والتجارية فأقاموا فيها الجوامع والتكايا والمدارس والخانات التي مازال معظمها قائماً إلى وقتنا الحاضر.