أيمن زيدان ربّان الدراما السوريّة
علينا أن نكون مؤمنين أكثر بدور الثقافة في حياتنا
عامر فؤاد عامر
صنّف العالم الفارابي أنواع الفنون بناءً على معيار التلقي، فكلّما كان الفنّ قريباً من غايته كان أقرب للمتلقي وأكثر نفعاً له. وفي سلّم تطوّر أنواع الفنون نجد اليوم فنّ "التمثيل" يتصدّر، غالباً ، أنواع الفنون الأخرى – على الأقل في سوريا – فيشهد هذا الفن حالةً من الجذب الملفت للانتباه من قبل المتلقي كبيراً كان أم صغيراً. ومن يدرك أهميّة هذا الجذب وتأثيره سيجد مجموعة من الأسماء، تُرفع لهم القبعة، لمسيرة الاجتهاد وحسن الانتقاء التي اتبعوها بجهد، فكانوا مهرةً في قيادة المركب باتجاه الهدف المرحلي. الفنان أيمن زيدان، واحدٌ من أكثر المجتهدين حضوراً، من الذين نهضوا بمسيرة الفنّ في سوريا والعالم العربي، خلال مسيرته الفنيّة، فبين الحسّ الكوميدي والمقدرة على لعب دور البطولة لشخصيّات مركّبة صعبة الأداء، تفوّق هذا النجم، وجمع بين أدوات التمثيل التي قلّما تجتمع في شخصيّة ممثلٍ واحدٍ، ولا أظنّ أن أحداً من المشاهدين يمكن أن ينسى الأثر التي تركته الشخصيّات التي أداها هذا الفنان على مختلف الصُعد الدّراميّة، من قبيل الذكر وليس الحصر، "أيمن عبد الحق" في "يوميّات مدير عام" التي قدّمت شخصيّة نزيه، مخلصة، رفضت كلّ المغريات، "أسامة ابن الوهاج" في "الجوارح"، و"هولاكو" في مسلسله، واسماعيل في "أخوة التراب" البطل الذي قارع الاستعمار على الرغم من تعذيب الاحتلال العثماني له، ولا يتنازل، والعديد من الشخصيّات التي أظهر من خلالها هذا الفنان جدارة غير مسبوقة في التنوّع، لكن أن يكون ربّان رواية الراحل حنا مينه في أداء شخصيّة "مفيد الوحش" ومسلسل "نهاية رجل شجاع" فهي العلامة الفارقة التي صعدت به إلى مسافة يكاد لا ينافسه فيها أحدٌ من أقرانه. تطول القائمة ولا تتسع مساحة المقال لذكر جميع الشخصيّات التي أدّاها، والتي أثّرت في ذهن المشاهد بشكلٍ ملفت واضحٍ في الشارع السوري والعربي. لكن المسرح الذي يقول عنه أيمن زيدان أنه "الأقرب إلى روحه" كان البصمة الأكثر أثراً لدى جمهور المسرح على ضيقه بسبب إهمالنا لأهميّة المسرح في العالم العربي، فالصورة الأكثر بقائاً في ذاكرتنا أن مسرحيّاته هي الأكثر استقطاباً للناس، والعديد عرفوا المسرح للمرّة الأولى في حياتهم بسببه، من "رحلة حنظلة"، و"سيّدي الجنرال"، إلى "سوبر ماركت"، "راجعين"، "دائرة الطباشير"، "اختطاف"، ومؤخراً في "فابريكا"، وكانت مسرحيّاتٍ شديدة الاستقطاب. وما يميّز المسرح لدى أيمن زيدان أنه يحمل استشرافاً للمستقبل، فهو لا يحاكي قصّة من الماضي وهمّاً اجتماعيّاً فحسب بل يحمل عيناً للمستقبل، كما في مسرحية "راجعين" وعودة الشهداء التي جاءت قبل الحرب على سوريا بمدّة وجيزة، لتتحدث عنها بلغة المسرح، وتتناول قضيّة الشهداء بلغة واقعيّة تعيشها الناس خلال الأزمة السوريّة، وكأننا جميعاً مشتركين في مسرحيّة زيدان. نتعمّق أكثر في شخصيّته فلا ننسى حضوره السينمائي في "أحلام المدينة"، "الشمس في يوم غائم"، "الطحالب" وغيرها من أدوار البطولة لينال جائزة أفضل ممثل عربي في مهرجاني وهران والاسكندريّة السينمائيين عن دوره في فيلم "الأب"، وعن السينما السوريّة يقول: "تحاول أن تقارب الوجع السوري، وتحاول أن تحمل وقائع وشواهد عما يحدث، لكن المشكلة الأكبر هي هل تمتلك هذه المحاولات فسحتها التي تستحق العرض خارج سوريا؟! هذا ما يجب أن نسعى إليه، فهناك تحديات شديدة، والخيارات ضيّقة، لكن ما يعزّي هو أن هذا الشريط السينمائي يبقى شاهداً على مرحلة زمنيّةٍ، ويبقى حالة توثيقيّة للأجيال القادمة"، وأيضاً سنشهد قريباً نتاجه كمخرج سينمائي لأوّل مرّة من خلال فيلمه "أمينة" الذي يتحدّث عن المرأة في زمن الحرب. ما يثيرني أكثر في شخصيّة الفنان التي يمتلكها أيمن زيدان هي الجرأة والرغبة في الاقتحام فهو إن كان ممثلاً ناجحاً نراه لا يكتفي بذلك فيرتاد عالم الإدارة لأكثر من مرّة في حياته، ويقتحم عالم الكتابة في ثلاثة مجموعاتٍ قصصية آخرها "تفاصيل" ما يزال يوقعها في المحافظات السوريّة. إضافةً إلى تجربته الإخراجيّة للمسلسلات التلفزيونيّة ، والتقديم التلفزيوني، وهذا التعداد ليس إلا استذكاراً للتنوّع الذي تألفه هذه الشخصيّة، فتكرمه وزارة الثقافة السوريّة في يوم تأسيسها كشخصيّة مثقفة مؤثرة في الشارع وذلك عام 2016 وعن هذه اللحظة وأهميّتها يتحدّث: "لا بدّ أن نكون مصرين على ثقافة الحياة، ومواجهة ثقافة الموت، التي يريد البعض تعميمها، وعلينا أن نكون مؤمنين أكثر بدور الثقافة في حياتنا، وأتمنى أن أكون طرف حقيقي في الحياة الثقافيّة لصياغة حياةٍ أفضل".