أيمن زيدان بين أمل الانتقال للمرحلة الجديدة وبين سوداويّة التوثيق
عامر فؤاد عامر
يبقى الفنُّ صورةً عاكسةً للمرحلة التي يعيش فيها الإنسان، فهو خطُّ توثيقٍ حقيقيّ، يمكن للإنسان ولو بعد مرور ردحٍ من الزمن استنتاج كينونة هذه المرحلة التي عاشها الأفراد من خلال الأعمال الفنيّة التي وُلدت حينها.
ويقعُ العبء الأكبر في مسألةٍ كتلك - في بلادنا - على عاتقِ الجهد الفردي، فمن هم الأشخاص الذين يفكرون في المحافظة على رونق الفنّ ورشاقته، ضمن سنواتٍ مرّت علينا بين ازدهار واسوداد؟ هم قلائل بلا أدنى شكّ، ولربما أقل من أصابع اليدّ الواحدة، في كلّ ميدان من ميادين الفنّ الإنساني على تنوّعه.
بقيت الصورة التلفزيونيّة في سوريا، وضمن مقاييس المرحلة التي امتدت من تسعينات القرن الماضي وإلى اليوم، بقيت هي الأسبق في لغة الفنّ اليوميّة، وضمن هذا النموّ كان هنالك أفراداً يعلمون سرّ الصنعة، فوافقوا على هذا النمو، لكن حاولوا المحافظة أيضاً على روح الحالة المسرحيّة في سوريا، مدركين أنه بفقدان هذه الروح لن يسلم المركب من تدمير ذاته، وعلى الرغم من كلّ المعوّقات، نجد أن كلّ واحدٍ منهم كان له خصوصيّة الحضور المسرحي، ومن بين هؤلاء أتناول الفنّان أيمن زيدان، الذي تابعنا له عمله المسرحيّ الأخير منذ أيّامٍ مضت "ثلاث حكايا" عن قصص رواها الكاتب الأرجنتيني "اوزوالدو دراكون" وأعدها للمسرح الكاتب محمود الجعفوري، وبذلك يكون "زيدان" قد أضاف عملاً مسرحيّاً جديداً للقائمة، متحدياً ضغوطات المرحلة الزمنيّة التي تزداد وتتعقد.
قبل ذلك بمدّة تابعنا فيلم "أمينة" الذي يعدّ التجربة الإخراجيّة الأولى للفنّان أيمن زيدان في الجانب السينمائي، وهو من دون مواربة، يتفق عليه أهل صناعة السينما بأنه الأجود والأفضل من بين أفلام المؤسّسة العامّة للسينما في سوريا التي طرحتها في المرحلة الأخيرة، والفيلم يرصد جانباً مهمّاً من وقع الحرب على سوريا، عبر معاناة أسرة تقطن الريف السوري، وتبذل قصارى الجهد لمقاومة منعكسات الحرب من فقرٍ، وبؤسٍ، وجرحٍ، وإذلال، أيضاً عبر محورٍ مُجسّد في الأمّ، وإن تمّ إسقاطها فهي لا تعني إلا سوريا الوطن الحقيقي، وطبعاً جسّدت دور الأم بكلّ براعة الفنانة القديرة نادين خوري فأظهرت ما لم تظهره في دورٍ سابقٍ لها.
في الوصل بين آخر عملين للفنان أيمن زيدان كمخرج، ومع معرفة قراره الضمني في الابتعاد عن الدّراما كممثل، لا بدّ أن نتبين شيئاً مهمّاً في هذا الوصل، سيّما وأننا رصدنا "أيمن زيدان ربّان الدّراما السوريّة" في وقتٍ سابقٍ ضمن صفحات "أيّام كنديّة" فمن يُدرك خطواته بين نجاحٍ وعثرات، ومحاولاته في نقل ُسلّم الفنّ الدّرامي في سوريا لمرحلةٍ تليقُ به، يعلمُ أن هذا الفنّان لا يستسهل، ولا يختار فقط ما يناسب المرحلة الآنيّة وحسب، بل إن له همّاً وجدانيّاً خاصّاً ينمو بين ذكرياته كفنان عشق النجاح، وخبره، وبين كبوة أثمرت بخيباتها على الجميع في سنوات الحرب، وبين نظرة من الأمل المنتظر للمرحلة القادمة.
فعلى الرغم من كميّة الحزن التي يحصدها المرء من أعماله سواء في المسرحيّة أو الفيلم أو حتى على صعيد أداءه في سنوات الحرب تمثيلاً، سيجد أن هذا الحصاد يكاد يكون صبغة موحدة في كلّ ما قدّمه مؤخراً، وهو إن دلّ على شيء يدلّ على حزنه العميق على ما جرى ويجري، ولكن نبقى على صيغة ولغة الأمل التي لا بدّ لصانع الفنّ الدّرامي الحقيقي - أيمن زيدان - الإعلان عنها إبّان وقتٍ قادمٍ قريب، فبدون هذه البارقة لا يمكن أن ننتقل بعد الحرب لللون الجديد الذي يستحقه الفنّ السوري عموماً، والتمثيلي على وجه الخصوص، ولذلك نحن في انتظار بارقة الأمل تلك من الفنان الكبير أيمن زيدان.