أنواع التسلية أيام الأعياد في التراث الدمشقي بقلم الباحثة م. هالة قصقص
أنواع التسلية أيام الأعياد في التراث الدمشقي
تعددت أنواع التسلية والترفيه التي كانت تمارس في ساحة العيد، فكان الأطفال ينجذبون إلى الفعاليات المختلفة الموجودة في الساحة، كلٌّ حسب عمره، فهناك الفُرج وركوب العربات التي تجرها الخيول، وهناك الألعاب الخشبية كالدواخات والقلابات والأراجيح، ثم مسرح خيال الظل الذي كان ينشط بالأعياد، وصندوق العجائب، إضافة إلى ذلك البسطات التي كانت تبيع مختلف أنواع المأكولات وألعاب الأطفال اليدوية البسيطة كدولاب الهواء وغير ذلك.
1. الفُرج: كانت الفرجة لها نكهة خاصة في أعياد مدينة دمشق، ففيها من الغريب والمشوق لدنيا الأطفال ما يشد الرغبة إليها، وهي عبارة عن ممارسات أشبه بألعاب السيرك في وقتنا الحاضر، وتميز الذي يقوم بالعروض بحركاته الخفيفة وأساليبه المبهرة التي تأخذ بألباب الأطفال وتنقلهم إلى عالم الخيال .
2. ألعاب العيد: هناك عدة أنواع من الألعاب الخاصة بالأعياد كالقلابات والدواخات والتي كانت تنصب في مصلبات الأحياء العامة وأطراف البساتين، وفي محلة سيدي عامود (الحريقة) كان يتمركز العيد، وإلى هذه المحلة يتوافد أبناء القرى المحيطة بدمشق ليعبروا عن ابتهاجهم ومشاركتهم بالعيد فيعقدون حلقات الدبكة بمصاحبة الناي والطبل.. والأولاد يركبون القلابة ذات الأسرة الأربعة فتدور بهم دورات محورية، أو الدويخات ذات الأسرة المتنوعة الأشكال والخيول المصنوعة من الخشب.
3. العربات وركوب الخيل والدواب: تنتشر تلك العربات في أنحاء الحي والأحياء المجاورة، فيقبل على الركوب فيها الأطفال بشغف زائد ويحرك شوقهم كشكول العربة، وهو يحث الأطفال على الركوب بشكله الغريب وثيابه الجميلة وحركاته المضحكة، فيتكدس الاطفال بالعربة وتنطلق بالمسير وراء بغلها المزدان أيضاً بالأجراس والريش والخرز، وتنطلق الحناجر بالأهازيج مرددة مع الكشكول، ومن ذلك: (ياولاد محارب) (واليوم عيدي) (وبكرة العيد ومنعيد)
4. البسطات وعربات الحلوى: هي دكك من الخشب لها طبقات، وتغطى بالستائر الخضر والحمر، وتصف عليها السكاكر والألاعيب، تتصدرها الأعجوبة الكبرى وهي "الأوتوموبيل" الذي يمشي "بالزمبرك" . أما عربات بائعي الحلاوة، فتزخرف وتعلق عليها الأجراس. ومن هذه البسطات ما صف عليها أطباق صغيرة مملوءة بالملح والكمون. وقد صف حولها الكراسي وإلى جوارها حلة مملوءة بالفول النابت ، وإلى جانب منها نصب حاجز قماشي حتى تستطيع البنات أخذ حريتهن في أكل الفول النابت. ومن البسطات ما نُضّد عليه أكداس من صحون مخلل اللفت والخيار واليخنا ؛ فيقبل الأطفال على التهام صحونها المرقشة بهذه الأصناف ويغمسون في مرقها كعك الشرك الخاص بها "البقسماط" كل ذلك بالإضافة إلى بسطات حلاوة الملوق.
5. خيال الظل: يصنع رسوم الأشخاص والستارة من جلد الجمال والأبقار، ويعتبر جلد عنق الجمل أجودها لشفافيته، وتؤخذ هذه الجلود فتنزع عنها بقايا اللحم وتملّح وتُشدّ بإحكام على جدار معرض للشمس، إلى أن تأخذ حدها المطلوب من الجفاف. ثم يرسم على الجلد أجزاء الرسوم المطلوبة من ووجوه وأذرع وأقدام، وتُقص طبقاً لذلك، وتزركش بثقوب ورسوم وتصبغ بألوان حسب الأزياء التقليدية المتوارثة، ويختار لكل شكل متكامل مركز ثقل يتحرك عليه الجسم وأجزائه المتدلية بوساطة عصا صغيرة، يغرس طرفها في ذلك المركز ويكون طرفها الآخر في متناول يد المخايل خلف الستارة يتحدث بلسانها. ومن أشهر شخصياته (كركوز وعيواظ)
6. صندوق العجائب: لم يكن شكل الصندوق مألوفاً فهو مصنوع من معدن خفيف ولونه غالباً سماوي وهناك ألوان أخرى ، وشكله نصف دائري وله أربعة عيون زجاجية من الجهة التي يشاهد الأطفال من خلالها الصور المتحركة التي تمر أمامهم، ومن سطحه يوجد اثنان من العيدان على اليمين واليسار وقد لف على واحدة منها الورق المطبوع عليه الصور، وعند بدء العرض يقوم الرجل بتدوير العيدان وتمر الصور أمام المشاهدين .الذين يضعون أيدهم أيضا منعاً للضوء. كانت الصور التي يعرضها الصندوق تروي حكايات وقصص مختلفة ولكي ينجذب الأطفال لهذا الصندوق ينشد الرجل بعبارات قريبة من الشعر الشعبي وبلهجة شامية ويقول :(تعا تفرج ياسلام على عجايب الزمان.. رح ورجيكن عجايب ماشفتوها بالمنام). ويظل ينشد حتى يكتمل أربعة مشاهدين على عدد فتحات الصندوق، ويبدأ العرض بتدوير تلك العصي التي تلتف حولها الصور، ثم يبدأ الرجل بالسرد ويروي للأطفال القصة ويغير بنبرات صوته حسب موضوع الصور التي تعرض فتارة يتكلم بنبرة الحزن وتارة بنبرة الفرح أو الغضب. ويجمع الرجل منهم اجرة العرض والفرجة ثم يذهبون إلى بيتهم ويروون لأخواتهم البنات وللجدات وللامهات ما رؤوه في صندوق العجايب. كان مشهد الرجل وهو يحمل الصندوق على ظهره والقاعدة في يده الأخرى لا يغيب عن ذاكرة الأطفال وينتظرونه بفارغ الصبر لما يحمله إليهم من حكايات وقصص جديدة. وكان هذا الصندوق ينشط في أيام الأعياد بشكل كبير حيث يتراكض الأطفال إليه وهم يحملون العيدية ويقدمونها للرجل مقابل أن يشاهدوا قصصاً وصوراً جميلة تمتعهم وتسرهم في العيد.