أسواق دمشق في العصر العثماني بقلم الباحثة المهندسة هلا قصقص
أسواق دمشق في العصر العثماني
بقلم الباحثة المهندسة هلا قصقص
من الجدير بالذكر أن معظم أسواق دمشق كانت موجودة قبل العصر العثماني، إلا أن بعضها قد أقيم مجدداً لتلبية الحاجات الاقتصادية والاجتماعية للسكان، أما الأسواق المحدثة فكانت خارج أسوار المدينة، وأهم هذه الأسواق: سوق السنانية الذي ينسب للوالي العثماني سنان باشا، ثم سوق الدرويشية نسبة للوالي العثماني درويش باشا، وهذان السوقان يقعان خارج أسوار المدينة غرباً، ثم سوق محمد باشا العظم المسمى بالسوق الجديد، وقد أقيم هذا السوق على أنقاض أسواق ومبان قديمة إلى الشرق من دار السعادة داخل السور؛ وكانت كل سوق من الأسواق متخصصة بسلعة أو حرفة، فنسب السوق إلى الحرفة القائمة فيه كما نسب بعضها إلى بانيها، وبلغ عددها في دمشق أكثر من مائة وخمسين سوقاً، كانت معظمها داخل السور وحول الجامع الأموي، كما كانت الصناعات المتقاربة أسواقها متقاربة أيضاً، فسوق الوراقين وسوق المكتبيين وسوق مجلدي الكتب كلها تقع في منطقة باب البريد لصيق الجامع الأموي من الغرب.
وكانت بعض الأسواق تعقد في الساحات العامة كسوق الجمال في حي الميدان وسوق الغنم بالقرب من قلعة دمشق؛ وقد أحصى يوسف ابن عبد الهادي في كتابه سنة 813ه/1478م أسواق دمشق كلها في كتابه "نزهة الرفاق في شرح حال الأسواق" وعددها 150 سوقاً، ونضيف إليها الأسواق المحدثة في العصر العثماني؛ وقد احتفظت بمهامها السابقة مما يدل على أن علاقات الإنتاج وطبيعته لم تتغير في هذه المرحلة، ومن جهة أخرى فإن تزايدها يدل على تزايد عدد السكان الذين عجزت الأسواق القديمة عن سد حاجاتهم؛ ومن أهمها سوق السنانية الذي يقع فيه جامع سنان باشا، حيث كان هذا السوق يوفر الحاجيات الأساسية لسفر الحجاج، ثم سوق الدرويشية وفيه جامع درويش باشا وتربته، ثم سوق محمد باشا العظم الذي أقامه في أواخر القرن الثامن عشر، ثم سوق علي باشا بالقرب من السنجقدار، ثم سوق مدحت باشا والي الشام في أواخر القرن التاسع عشر؛ أما هندسة الدكاكين فكانت مبنية على شكل عقد من الحجارة، وكانت متطاولة وموجهة لبعضها البعض، وكانت ضيقة خاصة في الأسواق القديمة، والسمو العامة لجميع الدكاكين هي الظلمة لأن نور الشمس يصعب دخوله إليها.
أما مراقبة الأسواق والأسعار وجودة السلع فكانت من مهام المحتسب، وأحياناً القاضي والولاة أنفسهم؛ أما رواد هذه الأسواق فكانوا من جنسيات وقوميات مختلفة، وينقل الرحالة الفرنسي بورتر بعض الصور عن أحوال الأسواق الدمشقية في العصر العثماني، فيقول: "دخلنا إلى سوق الحدادين من بوابة صغيرة جداً وبعد عبورنا لهذه البوابة شاهدنا سوقاً مسقوفاً معتماً يكاد لا يرى أحدنا الآخر إلا بصعوبة وزاد في ظلمة هذا السوق سحابات الدخان المتصاعدة، ولا تسمع هنا وهناك سوى صوت مطارق العمال، وبالقرب منهم ترى أكوام نفايات الفحم المحترق مختلطة مع سقط المعادن"؛ ثم يصف بورتر سوق القباقبية قائلاً: "كان الصانع يأتي بالقطعة الخشبية المعدة لذلك فيقوم بنجفها وتقويرها حتى تأخذ الشكل النهائي للقبقاب ثم يدفعها لصانع آخر فيقوم الثاني بتشذيبه وصقله مستخدماً المطرقة والإزميل ثم يقوم بعد ذلك بتطعيمه بالفضة والأحجار الكريمة ثم يركب عليها الجلد المطلوب فيصبح جاهزاً للاستعمال"؛ ثم ينتقل إلى سوق البزورية فيصفه قائلاً: "ترى الحوانيت من الجانبين بها البضائع الموضبة والمنظمة، وفي وسط هذا البازار ترى بناءً ضخماً مبنياً على الطراز المغربي والذي لا مثيل له وهو خان أسعد باشا العظم".