"أسمهان" الأميرة والفنانة تهمس لنا بذكرياتها من قصر عرى عامر فؤاد عامر
"أسمهان" الأميرة والفنانة تهمس لنا بذكرياتها من قصر عرى
عامر فؤاد عامر
تنتابك مشاعرُ خاصّة؛ وأنت ترصد عن كثبٍ قصراً من نوعٍ مختلف، حلّت عليه إحدى أهم نجمات الغناء في العالم العربي أميرةً وضيفة لمدّةٍ ليست بالقليلة من مسيرة حياتها القصيرة، لا ومن المؤكد أن إحساساً بالشرود والتأمل يفضيان بك لإطلاق العنان للخيال، ماذا كانت تصنع أسمهان لنفسها في مساحة قصرٍ شيّده معماريو آل شويري اللبنانيون على مساحة عشرة آلاف متر مربّع في جنوب غرب محافظة السويداء في سوريا؟! هل تجلس تراقب حركة الحياة في القصر؟ أم تشغل نفسها بمهام الأميرة التي لا يمكن أن تنتهي؟ أم تبعث لآمالها نحو مصر وحلمها في أن تكون الأكثر أناقةً على مسرح الغناء آنذاك؟
لا يحمل القصر في جنباته المتعددة المتكاثرة إلا لون البازلت القاتم والجدّي والعميق، لكن قاعةً وحيدةً فيه احتضنت وبالقرب من شباكها الشرقيّ بقعةً من اللون الأبيض، وعندما تقترب من هذه البقعة الرخامية الناعمة، ستتلمس أن لأسمهان علاقةً بها بصورةٍ مباشرة، فقد استقدمت من دمشق عدداً من ألواح الرخام، لهندسة بحرةٍ تترقرق أنغام صوت الماء العذب فيها أثناء سكون الطبيعة، التي تسبغ جغرافية المكان أساساً، فتجعله نقيّاً كما ولدته الطبيعة الأم.
عند هذه البحرة الصغيرة لا بد وأنها جلست كثيراً تتأمل حركة المياه فيها، وعلى الشبابيك الكبيرة المتطاولة في هذه القاعة الفسيحة لا بد وأنها كانت تسرح بالأفكار المهمّة والخيال الجامح والتعلّق بحلمها في الغناء، فهل أنشدت هنا؟ وماذا أنشدت؟ أسئلة كثيرة تخطر للزائر وهو يتنقل بين جنبات هذه القاعة، فكيف في جنبات القصر الكبير! الذي يصفه دارسي العمارة اليوم بأنه القصر الوحيد في سوريا الذي يمتاز بضخامة، لا مثيل لها بتوافر أربعمائة قنطرة حجرية ما تزال قائمة كما هي، ومشغولة بطريقة ساحرة تشير إلى رغبتها في البقاء أكثر، وباكتنازها على الأسرار المُخبأة لزمانٍ قادم، ناهيك عن الأدراج، والأبنية، والمساحات المرصوفة بالحجارة المتناسقة، والأسقف المنسوجة بعناية، وغيرها من الأبنية التي تؤلف قصراً يحتاج المرء إلى ثلاثةِ ساعاتٍ حتى يُلمّ بزواياه جميعها.
يقول حفيد حسن الأطرش، الذي ينال نفس الاسم عن جده زوج الراحلة أسمهان، يقول: "اعتلت أسمهان صهوة جوادها في يومٍ من الأيّام، وذهبت باتجاه نبع قرية عرى المعروف في المنطقة، وهو نبع الغساسنة المعروف تاريخيّاً، والذي يبعد أكثر من خمسة كيلو متر من القرية، ولاحظتْ أن الناس تقطع كلّ هذه المسافة لتملأ جرارها وقربها إمّا مشياً على الأقدام أو على الدواب، فقررت أن تمد أنابيب المياه من النبع إلى حيث يقطن الناس في قريتهم، وكان ذلك، وإلى اليوم يعترف السكّان بأن لأسمهان فضل في تمديدات المياه من النبع، فأسمهان كانت اجتماعيّة وقريبة من الناس ومُحبّة".
ماذا يقول أيضاً سكان قصر عرى الحاليين - وهم من ذويها وأقاربها - عن أسمهان؟ المزيد من الحكايات والروايات الجميلة، التي تجمع أسمهان بزوجها الأمير حسن لأطرش وافتتانه بها، وعن استقدامهما مهندساً زراعيّاً لزراعة البستان بالأشجار التي تناسب المنطقة، وعن أولاد أسمهان وحسن الثلاثة، وقد بقي منهم كاميليا فقط، وعن لمسات أسمهان في القصر، وأين سكنت، وعن الفترات التي قضتها في قصر عرى، والتي أمضتها في قصر مدينة السويداء، والانتقال ما بين القصرين، وسفرها إلى مصر، والولادة هناك، والمزيد المزيد من الذكريات التي يعلمها أهل المكان، وأقرباؤها، والتي يحفل بها القصر من ذكرى الحياة فيه.
تذكر الوثائق أن الأميرة أسمهان والأمير حسن الأطرش تزوجا في صيف العام 1934 وبقيا كزوجين إلى العام 1941 لتختم فترة مهمّة من حياتها قبل العودة إلى مصر ومتابعة حياتها الفنيّة، ما بين الغناء، والحفلات، وطرق عالم السينما في فيلمي انتصار الشباب وغرام وانتقام، إذ لقيت حتفها عبر حادثٍ أليم قبل أن تنهي مشاهدها الأخيرة في الفيلم الثاني، وذلك في الرابع عشر من تموز 1944، فكانت رحلة حياة مكتنزة بالأسرار ومكثفة بالأحداث ما بين الفنيّة، والسياسيّة، والتنقلات، والسفر، والتجارب الغنيّة، أحببنا أن نلقي الضوء على جانبٍ منها، وهو إحدى القصور التي قطنتها مدّةً من الزمن، ليكون حكاية من ألف ليلة وليلة، وبطريقة الفنانة الفاتنة أسمهان الأطرش.