الصلوات الخمس! هل هي حقاً الصلاة التي كتبها الله علينا؟ بقلم معتز أبوكلام

الصلوات الخمس! هل هي حقاً الصلاة التي كتبها الله علينا؟ بقلم معتز أبوكلام

معضلةٌ لطالما أرّقتني وحرّضتني للخوض في غمارها رغم أنها حقل ممتلئ بالألغام الدفينة منذ قرون!
إنها الصلوات الخمس،
رغم أننا نشأنا منذ الصغر على أن الصلاة عماد الدين، وأن الصلاة ركن من أركان الإسلام الخمسة: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا، 
ورغم أنني من المواظبين على الصلوات الخمس مذ بلغت سن التكليف، لكن ثمة أمر جلل لطالما أرَّقني وحثَّني للتفكر والخوض فيه من حين لآخر وذلك خوفاً من أن ألقى الله سبحانه وأنا غافل أو مُستغفَل يوم لا تنفع غفلة ولا ندم. 
الأمر هو أولاً: هل يا ترى مراد الله سبحانه بالصلاة، هي الصلوات الخمس التي نعرفها؟ ثم ثانياً، إذا كان المقصود بها هو تلك الصلوات، فلماذا لم يأتي الذكر الحكيم على تبيانها بالتفصيل المبين، سيما وأن سبحانه يقول في كتابه: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ
لا شك.. أنه لتساؤل ثقيل على القارئ، وسيفتح نوافذ الطعن والتشكيك والريبة والنميمة حول نيات الباحث في هذه القضية الشائكة، لكن سأحتسب ذلك كله في سبيل الله وفي سبيل معرفة الحقيقة والمراد الإلهي من الصلاة التي جعلها سبحانه ركناً أساسياً من أركان دينه القويم فإن أصبت فلي أجرين، وإن لم أُصب فلي أجر واحد إن شاء الله. 
 
بداية.. أؤكد بأنني لا أقصد بمقالتي هذه أن نعزف عن أداء الصلوات الخمس بل أن نتفكر ونتحرى معاً إن كانت تلك الصلوات هي الصلاة المقصودة بعينها والتي وردت في السياق القرآني حتى نكون مطمئنين بأننا إنما نعبد الله على علم وكما أمر وكما يحب أن يُعبد حق عبادته.
وسأضع بين يدي القارئ تساؤلات عدة، وأحسبها إن شاء الله تساؤلات محقة ومشروعة وأرجو من القارئ الحصيف أن يزينها بميزان الحق والعدل والمنطق:
- حسب كتب التراث الإسلامي تجد أن المفسرين قد استنبطوا الصلوات الخمس من الآيتين التاليتين: (أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيْلِ وَقُرْءَانَ ٱلْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْءَانَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا)، (وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَىِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ ٱلَّيْلِ ۚ إِنَّ ٱلْحَسَنَٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّٰكِرِينَ) رغم أن هاتين الآيتين لا تتحدثان عن أوقات خمس، لكن المفسرين خلصوا بفهم ما، ولا أراه يعبر عن مراد الآية، إلى أن هنالك خمس صلوات وسموها المسميات التي تعاقبت على ترديدها الأمة إلى يومنا هذا، وهي صلوات الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل كان رب العزة ليقصر في تبيين وتفنيد الصلوات الخمس بحركاتها وهيئاتها، أو أن يفوته، حاشاه، أن يشرحها ويسميها بأسمائها الخمسة التي نعرفها، حتى يترك شأن الصلاة لبشر خطائين ليقرروا عدد وطريقة الصلاة وهيئتها في حين سبحانه قد ذكر وفنّد وفصّل تفصيلاً دقيقاً مسائل أقل شأناً من الصلاة ومنها على سبيل المثال محيض وعدة المرأة، والأعمى الذي عَبسَ الرسول ص في وجهه وتولى عنه.. والمرأة التي سمع الله جدالها في زوجها، 

{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِير } مطلع سورة كاملة هي سورة المجادلة. 

بل بعض الآيات فصَّلت بإسهاب حالات قليل ما يحتاج إليها المسلم في حياته!! أليس حري بالصلاة إن كان المقصود بها حقاً الصلوات الخمس أن تحظى بالقدر الكافي الذي يليق بها من التفصيل والإسهاب القرآني، خاصة وأنها من المفترض كما تلقينا أنها ركن وفرض على كل مسلم بالغ عاقل وتتكرر خمس مرات في اليوم والليلة؟
- هل هو تقصير إلهي وأعوذ بالله أن أقول هذا، أم حشو وزيادة ومزايدة على كلام الله وما أراده عز في علاه من الصلاة وفحواها!؟
يا ترى هل مراد الله من الصلاة هو حقاً تلك الحركات المتكررة من قيام وركوع وسجود وافتراش وتورك ثم تسليم يمنة ويسرة بعد الصلاة، أم أن مراده سبحانه أوسع وأعمق من ذلك؟ إن الآية الكريمة: (أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيْلِ وَقُرْءَانَ ٱلْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْءَانَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) وحسب استيعابي البسيط والعميق لها لا يمكن أن تُفسَّر على أنها تأكيد على أن هناك صلوات خمس، ولا تشرح الكيفية التي ينبغي أن تؤدى بها الصلاة المقصودة في القرآن الكريم، إذ أن متن الآية يأمر بإقام الصلاة لحظة دلوك الشمس، أي عند زوالها عن كبد السماء واقتراب غروبها إلى أن يصبح الليل غسقاً مظلماً، وأرى أنها فترة مفتوحة للعبادة والتفكر ولا تحدد ولا تشير إلى عدد ثابت معين، ثم تُبين الآية الوقت الأمثل لتدبر كلام الله في وقت تكون فيه بصيرة الإنسان وذهنه متفتح خاشع صافٍ يقظ، ألا وهو وقت الفجر.
سينبري أحدهم ليقول: بل الصلاة فرضت في السماء السابعة ويروي لنا قصة الإسراء والمعرج وكيف تدرجت وتدرجت وخُفضت من خمسين صلاة إلى خمس صلوات مفروضة رحمة ورأفة بهذه الأمة، وهنا السؤال التعجبي!! ما دامت قصة فرض الصلاة بهذه الأهمية، فلماذا لم نجد لهذه القصة ذكر في القرآن الكريم!؟
 
واسمحوا لي بوقفة هنا قبل أن أستكمل الموضوع الرئيسي لأقول:
حسبما وصلنا وروي في حديث وقصة فرض الصلاة في الإسراء والمعراج (والتي بالمناسبة، يُعتقد أنها قصة مستوحاة ومقتبسة من قصة المعراج في الديانة الزرادشتية ورحلة زرادشت إلى السماء).
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما جاء في رواية البخاري عن مالك بن صعصعة: "ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قَالَ: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ المُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ. فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ المُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ. قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ. قَالَ: فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَى مُنَادٍ: أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي".
وفي رواية أن الله تعالى قال بعد أن وصل العدد إلى خمس: "هِيَ خَمْسٌ، وَهِيَ خَمْسُونَ، لاَ يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ. فَقُلْتُ: اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي".
وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَبَيْنَ مُوسَى عليه السلام حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلاَةٍ عَشْرٌ؛ فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلاَةً، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئًا، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً". قَالَ: "فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ". فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَقُلْتُ: قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ".
أيها السيدات والسادة.. هذه هي القصة المروية التي تتحدث بإسهاب عن كيف فُرضت الصلاة على المسلمين.
وإنه لمن المؤسف أن السيناريو الذي أعد لهذه القصة أرى فيه تجني وتمادي على الذات الإلهية من نواحي عدة سآتي على تفصيلها تباعاً.
 
أولاً، القصة والعياذ بالله تُصور الله سبحانه، الذي يعلم السر وأخفى، الخالق المصور المدبر، على أنه غير مدرك لواقع الخليقة التي خلقها، ولا يُقدر مقدار تحمل عباده من العبادة، ويحتاج للفت انتباه أن عباده لن يقدروا على خمسين صلاة وينبغي التخفيف على العباد!! وهل يُعقل أصلاً أن يكون الله فعلاً كان سيفرض على عباده خمسين صلاة في اليوم والليلة!! هذا يعني أن على المصلين وصل النهار بالليل ركعاً سجداً لا ينامون ولا يأكلون ولا يشربون ولا يتعلمون ولا يعملون ولا يتناكحون وكأنهم ملائكة!! هذا الحديث لا يقبل به عاقل، بل لا يليق برحمة الله بعباده وقد قال سبحانه: ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ).
 
ثانياً، هذه القصة والعياذ بالله تُظهر أن الله ظالم قاسٍ على عباده وأن النبي موسى أرحم بالعباد من رب العباد، وأن موسى كان له تجربة مع عباد الله من اليهود ولم تنجح تلك الطريقة معهم كما ورد في الحديث، ولا أدري ما شأن النبي موسى عليه السلام هنا!! أم تراهم قد أدخلوا النبي موسى في القصة ليستفيدوا من أن الله سبحانه قد كلّم موسى تكليما ليثبتوا دعائم ومزاعم روايتهم بأن ثمة حوار جلل قد دار في السموات العلى لتثبيت ركن الصلاة بهذه الطريقة الملحمية، بل تكاد آثار الإسرائيليات تظهر جلية في حبك وفبركة القصة برمتها. 
 
ثالثاً، القصة بمجملها لا تليق بالذات الإلهية وبعدل الله سبحانه، إذ تم تصوير الله وكأنه حاكم مستبد لا يرى ولا يميز ويحتاج لوسيط ووساطة حتى يرق قلبه ويلين فؤاده ليرحم عباده.
 
رابعاً، تسلسل الصلوات من خمسين إلى خمسة، هو أسلوب يشبه إلى حد كبير أسلوب البائع الذي بدايةً يعرض سلعته بسعر مرتفع جداً ليترك مجالاً للمفاصلة والمساومة المتكررة مع الزبون، هذا أمر لا يليق أبداً بجلال الله سبحانه.
 
بناء على ما تقدم، أعتقد أن كل ما ورد في قصة فرض الصلاة فيه تجني وتتطاول واضح على مقام الذات الإلهية، والقصة بمجملها قصة واهية مختلقة تهدف للتحكم بعقول ومصائر الأمة.. وللأسف قد نجح التراثيون على مر العصور في التحكم بمفاصل أدمغة الأمة لإضعافها وإهامها بأن كل ما ينقلونه ويمرروه من قصص وروايات هو دين من عند الله، وما هو من عند الله، وعن الصلوات الخمس تحديداً، يُعتقد أنها مقتبسة عن الصلاة في مذهب الزرادشتية، إذ هي خمس صلوات تسمى صلاة شروق الشمس والظهر وقبل المغرب والمغرب ومنتصف الليل، وهناك ملائكة تترأس جلسات الصلاة لديهم، بل ويقوم الزرادشتية أيضاً بغسل أجسامهم قبل الصلاة بغية الطهارة، لأن مصدر الشر هي النجاسة حسب اعتقادهم. فما هذا الاستنساخ المتطابق تماماً، وهل تعمَّد صُناع الموروث أن تتعبد أمة الإسلام ربها على المذهب الزرادشتي الذي نشأ في بلاد فارس قبل أكثر من 3000 سنة خلت!! 
 
أمر آخر ولفتة أخرى تسترعي الإنتباه، لاحظوا الآية التي تلت مباشرةً آية:
أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا
وهي:
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا.
نجد أن هذه الآية تحث صراحةً على التهجد وتسميه بالنوافل، أليس من باب أولى، لو شاء الله أن يفرض علينا صلوات خمس، أن تأتينا آية صريحة تحث على الصلوات الخمس كما حثت الآية هذه على النوافل!! 
 
أعود بكم لأستكمل الفكرة الرئيسية..، يا ترى هل نحن أمام إشكالية دينية، وهي أن الصلاة التي أمر الله بها وجعلها ركن وعماد دينه القويم، قد حُمِّلت ما لا تحتمل، وأٌطِّرت ضمن أٌطر خمسة وحُصرت بعدد وحركات وهيئات ومواقيت خمسة معينة لم تُذكر في كتاب الله؟ بل حتى آية: " إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا" لا تثبت أن هنالك خمس مواقيت بل تبدو منسجمة مع آية: أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا.
 
ومن ناحية أخرى، أليس أصل ومعنى الصلاة لغةً وحسب المراد القرآني هو الدعاء والذكر!؟ كقوله تعالى:(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) وصلِّ عليهم هنا أي ادعُ لهم.
فمن الذي حمّل الصلاة ما لا تحتمل؟ ومن الذي نسب الصلوات الخمس للصلاة الربانية والتي هي لغةً وأصلاً وحسب المعنى القرآني، تعني الصلة والتقرب إلى الله بالدعاء والتفكر والمناجاة.
وملاحظة مهمة أضيفها هنا: إذا ثبت أن السلف قد استنسخوا الصلوات الخمس من الزرادشتية، فلا ضير كبير في ذلك، ويمكن تجاوزاً قبول هذا الأمر من باب الحكمة ضالة المؤمن، أينما وجدها إلتقفها، ومن باب الاستعارة من أصحاب المعتقدات الآخرى. ولكنهم بذلك يكونوا قد ورطوا الأمة وجعلوها أسيرة كارثة أخلاقية عقائدية وجدانية، وهي عدم اعتراف أولئك من أين تلقفوا تلك الحكمة وتعتيمهم على المصدر وإغفال حقوقه الفكرية والعقائدية، وثانياً.. نسب ما تلقفوه وإقحامه في تفسير آيات القرآن الكريم وصبغ كلام الله وإلباس آياته شعائر وطقوس مستنسخة من هنا وهناك ومن معتقدات قديمة نشأت قبل الإسلام. وما دام الإنسان السوي لا يرضى بانتهاكات كهذه بحق أشخاص عاديين، فكيف له أن يقبل بها بحق الذات الإلهية. ناهيك عن استغفال أمة بأسرها والعبث بعباداتها.
 
ختاماً.. أرجو أن أكون قد وُفقت بطرح فكرتي وشرح ما يجول في خاطري بكل شفافية بنية طيبة وبدون مواربة، ورغم أنني كما أسلفت ما زلت أحافظ على الصلوات الخمس بحكم التعود والعادة وربما امتثالاً لما وجدنا عليه أباءنا، لكن واجب كل مؤمن حصيف أن يتعقل ويتبين ويتحرى حقيقة دينه وتعاليم دينه حسب مراد الله في كتابه وصِبغته، لا حسب مراد وصِبغة صُناع التراث وتكهناتهم ورواياتهم، 
{صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ}
وعليه فلا توجد أدلة أو آيات قرآنية قطعية تجزم أن الصلوات الخمس هي تجسيد للصلاة التي أمر الله بإقامتها في القرآن الكريم والتي تدل آيات كثيرة على أنها خشوع وذكر ودعاء يختلط بأنفاسنا وحركاتنا وسكناتنا قولاً وعملاً، وحالة تواصل روحي مع الله لا تنقطع، مع تلاوة وتدبر لآياته وقت الفجر حسب مراد الآية القرآنية. 
وعلى كل الأحوال وإن سلَّمنا بتواتر الصلوات الخمس عن نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فإن ما يطمئن له القلب هو أن نعتبرها طريقة من الطرق وليست الطريقة الوحيدة، وأن نعتبرها من السنن المتواترة التي يُستحب أدائها واتباعها مثلها مثل باقي السنن النبوية الشريفة. أما أن نعتبر الصلوات الخمس هي الصلاة المقصودة بعينها في القرآن الكريم: (أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيْلِ وَقُرْءَانَ ٱلْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْءَانَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) فأعتقد أن هذا بعيد عن مراد ومعنى الآية وتحجيم وتحريف لها وتحميلها ما لا تحتمل لأنه وبكل بساطة وبعد كل ما سلف، هذه الآية الربانية لا تتحدث عن مواقيت خمسة للصلاة، بينما قصة الإسراء والمعراج تتحدث عن صلوات خمسة مُخفضة مخففة، فهل العقل والقلب السليم والإيمان القويم سيرتقي ويتسامى مع كلام الله عز وجل أم سيتماهى مع سيناريو قصص أساطير الأولين!! 
ونقطة مهمة استدرك بها هنا: لعل رب العزة شاء أن لا يُفصِّل الصلاة وأن لا يُفصِّل حركاتها، وتركها عامة غير مُقيدة للناس، ليعلمنا سبحانه أن العبرة من العبادة ليست في الكيفية، وأن الحركات ليست هي المعيار ولا تعتبر تطبيق للصلاة الحقيقية بل الصلاة والصلة الحقيقية بالله أوسع من أن تُضيِق وتُحصر، فلا تحدها ولا تقيدها حركات بدنية معينة بل هي خشوع وذكر وتدبر وتفكر في آيات وآلاء الله سبحانه بلا حدود، أو كما جاء في الأثر: عدد الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق.
هذا ما تجلى لي من رؤية خاصة ولا أُقدمها كفتوى، ولا أدعو لترك الصلوات الخمس بل أدعو للتفكر في آيات الله وفي مراد الله.
وأختم بقوله تعالى:
وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِۦ ۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
صدق الله العظيم
 
أهدي رؤيتي الخاصة هذه لكل من يبحث عن الحقيقة ولا يطمئن قلبه إلا للحقيقة.
بقلم معتز أبوكلام

مواضيع ذات صلة