الذكاء الاصطناعي وتسونامي الثورة الصناعية الرابعة

الذكاء الاصطناعي وتسونامي الثورة الصناعية الرابعة

بقلم الدكتور/ أحمد عثمان البوريني

a.bourini@outlook.com

رغم الجدل القائم بشأن الذكاء الاصطناعي من حيث طبيعة تأثيره على مستقبل حياة البشر ، والآمال والمخاوف التي أبداها العديد من الخبراء والباحثين فيما يتعلق بالاعتماد المتزايد على تطبيقاته، إلا أن الثورة الصناعية الرابعة التي ستقود اقتصاد العالم في هذه المرحلة تعتمد بصورة أساسية على توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في الأتمتة الصناعية والروبوتات الآلية على نحو واسع. وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع المحللين بشأن تأثير هذه التقنيات على حياتنا سلباً أو إيجاباً، فإنها بلا شك قد فرضت واقعاً جديداً يجدر بجميع الدول والشركات والأفراد السعي للتعامل معه، إذا أرادوا عملياً مواكبة التطورات واللحاق بركب التقدم قبل فوات الأوان.

وقد تسابقت الدول المتقدمة، ومن بينها كندا، بصورة واضحة من أجل الاستحواذ على أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي وتوظيفها في مختلف المجالات العسكرية، والطبية، والصناعية عموماً، حيث لعب الباحثون الكنديون دوراً مهماً في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي منذ بداية ظهوره كمجال ثانوي ضمن علوم الكمبيوتر في مطلع خمسينيات القرن الماضي، حين برز السؤال "هل تستطيع الآلة أن تفكر مثل الإنسان؟"، فعكفت العديد من مراكز البحوث حينئذٍ على دراسة الترجمة الآلية والتعلم الآلي. واستمرت تلك المراكز في عمليات التطوير حتى يومنا هذا الذي أصبحت السيارة فيه عبارة عن كمبيوتر يسير على أربع عجلات، والآلة قادرة على حل الكثير من المشكلات دون تدخل الإنسان. وقد أصبحت كندا في طليعة الدول في هذا المجال حسب التصنيف العالمي،بينما لعبت الجامعات الكندية دوراً أساسياً ومهماً في تطوير هذه التكنولوجيا.

ومن جانب آخر، فإن تبوء كندا لموقع متقدم في مجال الذكاء الاصطناعي جعل منها مصدر جذب للشركات العالمية الكبرى ورواد الأعمال والمهتمين بالتكنولوجيا المتقدمة، خاصة وأن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي تستند في الأساس إلى محاكاة العقل البشري، أصبحت تلعب دوراً محورياً ومؤثراً بصورة مباشرة في المجالات العلمية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية وغيرها، من خلال توظيف كم هائل من البيانات بمختلف الحقول، ومن ثم نقل عبء اتخاذ القرار إلى نماذج آلية تتميز بتحقيق نتائج دقيقة من الناحية العلمية، وهو ما أصبح يطلق عليه "صنع القرار الآلي".

وقد برزت توجهات كندا الأساسية تجاه الذكاء الاصطناعي من خلال مجموعة الدول الصناعية السبع G7 التي تمتلك دولها 60 بالمئة من ثروات العالم، حيث تستخدم الدول الأعضاء المجموعة كمنصة لتطوير قواعد وأسس مشتركة في مجالي الأمن والاقتصاد. وقد تعهد كل من رئيس الوزراء الكندي جستن ترودو والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثناء انعقاد قمة مجموعة G7 الأخيرة بالعمل على تكوين مجموعة دراسات دولية حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في ظل المخاوف والمخاطر العديدة المرتبطة بتطبيقات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

ومن أجل دعم القطاع بالمتخصصين بالذكاء الاصطناعي، اتخذت الحكومة الكندية قرارات متعدد من ضمنها: تسهيل هجرة العقول واستقطاب ذوي المواهب المهتمين بالانتقال للإقامة والعمل في كندا، من خلال برنامج لتسريع منح التأشيرات والإقامة الدائمة. حيث أكدت المصادر الحكومية على أن هذه الإجراءات تدعم البحوث والدراسات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، وتسهم في تبوء كندا مركز الصدارة في تصدير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

وفي السياق نفسه، دخلت العديد من الدول ومن بينها بعض الدول العربية السباق في هذا المجال. فجاءت دولة الإمارات في المرتبة الأولى إقليمياً في الجاهزية للذكاء الاصطناعي حسب مؤشر "أكسفورد إنسايت 2019"، حيث خطت خطوة رائدة من خلال إنشاء أول وزارة للذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، ووضعت برنامجاً وطنياً واستراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي بهدف تسليط الضوء على أحدث التطورات، والوصول إلى الحلول المبتكرة في مجال الخدمات الحكومية وإيجاد فرص اقتصادية واجتماعية للأفراد والشركات اعتماداً على تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوت.

على صعيد آخر، أقرّ صناع القرار بأن الذكاء الاصطناعي أصبح أولوية قصوى لما له من تأثيرات على كافة مناحي الحياة، وعلى العلاقات بين الدول والأفراد، مما يحتم الأخذ بعين الاعتبار دور هذه التكنولوجيا عند اتخاذ أي قرار مهم في ظل الأثر الذي أحدثته الأتمتة والثورة الرقمية حول العالم، وتأثير ذلك في إعادة تشكيل الوعي ووجهات النظر تجاه التجارة الحرة والعولمة والعلاقات الدولية في عصر الثورة الصناعية الرابعة.

وفي المقابل، برزت العديد من التحديات والتحفظات على استخدامات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على مختلف المستويات، وذلك من خلال الجدل الكبير بين الاختصاصيين وعلماء النفس والاجتماع بشأن مدى قدرة العلماء على السيطرة على الروبوتات والاختراعات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي مستقبلاً، ومخاطر استخدامها لغايات غير إنسانية.

أما أهم الانتقادات من جانب خبراء الذكاء الاصطناعي أنفسهم، فتمثلت في إمكانية فقدان عدد كبير من الوظائف، وتهديد خصوصية الأفراد؛ بينما دعا هؤلاء الخبراء إلى تسويق الذكاء الاصطناعي وليس فقط إجراء البحوث. وانتقدوا قيام شركات عالمية خارجية بشراء معظم براءات الاختراع الكندية في مجال الذكاء الاصطناعي، وتوظيفها في تطبيقات يتم تسويقها في دول العالم ومن ضمنها كندا، مما اعتبره هدراً في الاستثمار.

وفي الختام، أعتقد بأن الذكاء الاصطناعي بدأ يسهم أكثر من أي وقت مضى في إعادة تشكيل عالمنا الحالي بكل مكوناته وبسرعة هائلة، وصولاً إلى الثورة الصناعية الرابعة التي أصبحت تعرف بتسونامي التقدم التكنولوجي، حسب وصف المشاركين في مؤتمر دافوس الاقتصادي، مما سيغير تفاصيل حياتنا شئنا ذلك أم أبينا؛ والفَطِن من أخذ بزمام المبادرة ونظر إلى الإمام، وأعد العدة للمستقبل ولم يركن إلى ما فات أمام تسونامي التكنولوجيا القادم.

مواضيع ذات صلة