أطفال القادمين الجدد وتحديات اللغة الألمانية

من برلين مراسلة أيام كندية

 الزميلة المتطوعة/ ميس منصور

مع بداية الموسم الدراسي الجديد في المدارس الابتدائية في ألمانيا يدور نقاش واسع حول ضرورة إتقان الأطفال للغة الألمانية قبل دخولهم المدرسة. .

إنه الأسبوع الأول من العودة إلى الدراسة في مدرسة ابتدائية تقع في منطقة "شباندو" الغربية في العاصمة الألمانية برلين. وقد تم تزيين سقف الفصل الأول بإكليل بألوان مختلفة، وكُتب عليه "مبروك على بداية التعليم المدرسي". تحت هذا الإكليل في الفصل، يجلس حوالي 20 من تلاميذ الصف الأول وهم يستمعون إلى مُدرسهم. بعضهم (ستة أعوام) حماسهم يبدو واضحا بشكل ملحوظ، فيما البعض الآخر مهتم بشكل أكبر بأقلام الرصاص الموضوعة فوق طاولتهم و واوراق الاشغال الملونة . وأمام كل طفل بطاقة اسمية تحمل اسمه: شاكيرا ، ندى، روي. في حين تغيب الأسماء الألمانية مثل فلوريان وستيفانو و كاترينا. تأخذ هذه المدرسة طابعا ألمانيا باسمها على اسم شاعر ومترجم ألماني.. يدرس داخل جدران المدرسة 570 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 6 و 12 عاماً، وتضم ستة صفوف.

ينحدر تلاميذ المدرسة من 42 دولة مختلفة من بينها تركيا، بلغاريا، سوريا، اليونان ونيجيريا. وهناك في الصف الأول أكثر من 80 في المائة من الأطفال الأجانب والكثير منهم يبدأ تعليمه الابتدائي، وهو يمتلك مهارات قليلة في اللغة الألمانية. تحسين اللغة الألمانية ويتزامن الدخول المدرسي هذه السنة مع نقاش على نطاق واسع في ألمانيا، يتعلق بما إذا كان ينبغي منع الأطفال (ستة أعوام) الذين لا يتقنون الألمانية من المشاركة في الحصص المدرسية وكان وراء هذا النقاش عضو رفيع في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (حزب المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل)، ففي بداية شهر أغسطس/آب قال هذا السياسي في حوار مع صحيفة "راينيش بوست" الألمانية "طفل بالكاد يتحدث ويفهم الألمانية لا مكان له في المدرسة الابتدائية"، مضيفاً أن على هذا الطفل تلقي تعليم إضافي قبل الدخول إلى المدرسة.

وأثارت تعليقاته رد فعل عنيف من طرف وسائل الإعلام الألمانية، فضلاً عن زملائه أعضاء حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المُحافظ. لكن، أظهر نتائج استطلاع للرأي نشره الأربعاء الماضي معهد "إنسا" للاستطلاعات أن جميع الألمان لا يتفقون مع ذلك. ووجد الاستطلاع الذي شمل 2060 مواطناً أن 50.2 في المائة من المستجوبين يتفقون مع ما قاله السياسي ، فيما عبر 32.1 في المائة عن اختلافهم معه. أما بخصوص الانتماء السياسي لهؤلاء المستوجبين، فقد تبين أن الأغلبية، التي اتفقت مع ما قاله ، يدعمون حزب البديل من أجل ألمانيا الشعبوي. وقد أثارت تعليقات هذا السياسي ردة فعل أساتذة اللغة . فمن جهة، يدعم بعض هؤلاء الأساتذة فكرة وضع متطلبات لغوية أكثر صرامة، وكذلك اختبار الطفل قبل أن يبدأ المدرسة الابتدائية. ومن جهة أخرى، يؤكد البعض الآخر على أهمية دمج الأطفال في المدارس الألمانية في أقرب وقت ممكن، بهدف تعزيز قدراتهم اللغوية. وتقول كارينا مديرة المدرسة الابتدائية إنها من المدافعات بقوة عن إعداد الأطفال (لغوياً) بشكل أفضل قبل بدء المدرسة، لكنها تعارض التدابير الشاملة، وأضافت: "كما هو الحال في كل مدرسة، فإن تطور كل طفل هو مختلف (عن الآخر)".

وقبل الدخول إلى المدرسة الابتدائية، قد تتاح لهؤلاء الأطفال إمكانية الالتحاق بما يعرف بـ"كيتا"، وهي حضانة الرعاية اليومية للأطفال. لكن، بسبب نقص الأماكن الحاصل في "كيتا"، خصوصا في المدن الكبرى مثل برلين ، لا يمكن للمدارس الابتدائية أن تضمن حصول كافة الأطفال على فرصة للتعلم هناك، وتنمية مهاراتهم اللغوية. أما في هذه الابتدائية فإن كل طفل من الفصل الأول، والذي يضم حوالي 20 تلميذا أو أكثر باثنين يوجد مدرسان ومساعداً. ومن بين هؤلاء المدرسين، هناك أشخاص يتحدثون باللغة البولندية والعربية والتركية. كذلك يتم تشجيع الأطفال على التحدث فقط باللغة الألمانية، سواء أكان ذلك في الفصل أو في فترة الاستراحة. أما أولئك الذين يجدون صعوبة أكبر في اللغة الألمانية، فإنهم يتلقون دروساً إضافية.

وتقول مديرة المدرسة كارينا في هذا الصدد :"كلما استطعنا تلبية الاحتياجات الفردية للأطفال، كان ذلك أفضل". صداقة حميمة داخل جدران الفصل وفي الفصل الدراسي، يحتاج تعلم كل شيء إلى الكثير من الوقت. فأثناء تمرين بسيط لمساعدة الأطفال على تعلم أسماء بعضهم البعض، يظهر على الفور التلاميذ الذين يحتاجون إلى إتقان اللغة الألمانية بشكل أكبر. كما أن بعض هؤلاء الأطفال، يشعرون بالخجل في بيئتهم الجديدة (المدرسة)، بينما يكافح البعض الآخر من أجل نطق الأسماء، وذلك وسط تشجيع من المدرسين. كما يتلقى بعض الأطفال الصغار الدعم من زملائهم في الصف الذين يتحدثون الألمانية بشكل أفضل.

وتقول فتاة صغيرة مُوجهة الكلام إلى تلميذ معها في الصف"أستطيع مساعدتك على قول ذلك، إذا رغبت". وبعدها ينضم الجميع بأكمله من أجل تقديم الدعم. طريقة تفكير ولا يطرح فقط تنوع مستويات اللغة الألمانية مشكلة للمعلمين في الفصل الدراسي، بل إن التواصل مع أباء هؤلاء الأطفال يُمكن أن يكون أيضاً تحدياً. وتوضح مديرة المدرسة أنه يتم تنظيم أمسيات خاصة لمعرفة توقعات الآباء، وما تنتظره المدرسة بدورها منهم. كما يشجع المدرسون الآباء غير الناطقين بالألمانية على التسجيل في دورات اللغة الألمانية.

وعند سؤالها عن الاطفال السوريين خاصة قالت "يبدو أن الأطفال السوريين، يتعلمون الألمانية بسرعة أكثر من غيرهم وأضافت: "غالباً ما نجد أن آبائهم يتعلمون أيضاً اللغة ا معهم ". وتابعت نفس "حقيقة أن الكثير من الأطفال (على غرار الوضع في مدرستنا)، يستهلون دراستهم ومهاراتهم في اللغة الألمانية قليلة جدا، لا يجب أن يُنظر إليه على أنه سلبي"يجب أن يُنظر إلى ذلك على أنه فرصة، فما نربيه هنا هو بيئة منفتحة للغاية".

مواضيع ذات صلة