كتب الأستاذ فارس بدر
العالم بعد " جورج فلويد" George Floyd.
شوارع تتغيّر أسماؤها، تماثيل ورموز تتهاوى وتتساقط بقبضات الجماهير...
فمتى يأتي دورنا نحن؟؟؟؟
لفت نظري اليوم "عريضة" petition أطلقها مواطن في مدينة تورنتو " إسمه Andrew Lochhead " موجّهة إلى حكومة مقاطعة أونتاريو ومجلس بلدية تورنتو ، تطالب فيها بتغيير إسم أحد الشوارع الرئيسة في المدينة والمعروف لدى كافة سكّانها دون استثناء، ويُطلق عليه إسم شارع Dundas.
وإسم الشارع يعود إلى السياسي البريطاني Henry Dundas المعروف بمعارضته إلغاء تجارة الرقّ التي كانت منتشرة في ذلك الحين، وتأجيل قرار الإلغاء لمدة إثني عشر عاماً خلال ولايته بين العام 1806/1795.
العريضة انتشرت كالبرق وحصلت على تواقيع سكان المدينة بالآلاف حتى تاريخه، حتى أنّ عمدة مدينة تورنتو السيد John Tory ورئيس وزراء مقاطعة أونتاريو السيد Doug Ford تلقّيا الخبر باهتمامٍ بالغ وأبديا استعداداً جدّياً للدراسة والمناقشة.
هذا وقد تعرّض تمثال Henry Dundas وسواه في Edinburg- Scotland إلى هجوم حيث استهدفه المتظاهرون مطالبين بإسقاطه. كذلك في ولاية Alabama التي أسقط متظاهروها عدداً من التماثيل والمنحوتات التي تُكرّم ضباط في سلاح البحرية لهم تاريخ مشؤوم في تجارة الرّق.
ولم يسلم تمثال جورج واشنطن من قبضات المتظاهرين وهو الذي ألحق بأمم الهنود الحمر ( سكان أميركا الأصليين) أبشع المجازر وأكثرها هولاً في تاريخ البشرية، داعياً جماعته بالهجرة إلى "أرض الميعاد" لاحتلال " أرض كنعان" كما كان يّطلق عليها في رسائله التحريضية.
كذلك لم يسلم تمثال كريستوف كولمبوس في ولاية ڤرجينيا، حيث قام المتظاهرون بالإطاحة بالتمثال ، ثمّ إشعال النار فيه قبل أن يتمّ رميه في بحيرة " ريتشموند".
▪︎ فمتى يأتي دور شوارعنا وتماثيلنا وأصنامنا؟؟
في بيروت شوارع وأسماء وتماثيل جاثمة على صدورنا منذ أيام العثمانيين وبعدهم الإنتداب الفرنسي والإنكليزي. شوارع نعبرها دون أن نتساءل؟؟
فماذا نقول لأطفالنا وشبابنا عندما يسألون:
لماذا تحمل هذه الشوارع تلك الأسماء ؟ وهي في معظمها شوارع بأسماء رموز الإحتلال والإستعمار والقهر والإذلال.... وهذا بعضْ منها:
شارع كولمباني: ضابط المخابرات الفرنسي
شارع مونو
شارع غورو
شارع ويغان نسبة إلى Maxime weygand المندوب السامي لسوريا ولبنان 1923/1924
شارع شارل ديغول
شارع كليمنصو
شارع الجنرال فوش قائد قوات الحلفاء في الحرب العالمية الأولى
شارع اللنبي ( الجنرال البريطاني " إدموند أللنبي " الذي احتلّ القدس عام 1918 وباعها للصهاينة عام 1948. وهو القائل عندم دخلت الجيوش الإنكليزية إلى بيت المقدس بقيادته:" اليوم انتهت الحروب الصليبية"
والقائمة تطول في شوارع مدننا السورية والعربية بأسماء أخرى من رموز الإستعمار ...
فمتى تأتي الصحوة لإعادة الإعتبار لقادتنا ومفكّرينا وأدبائنا وشعرائنا وفنانينا ورموز مقاومتنا الوطنية؟ ونبدأ بإطلاق أسمائهم على شوارعنا وساحاتنا العامة.
▪︎وهذا بعضٌ من أسماء شوارعنا الجديدة:
شارع أنطون سعادة 1949/1904 الذي كان فاتحة الشهداء دفاعاً عن حقٌّ شعبه في الحياة الحرة الكريمة.
شارع جبران خليل جبران ومخايل نعيمة ومي زيادة
شارع بدر شاكر السيّاب ونازك الملائكة وفدوى طوقان
شارع محمود درويش وسميح القاسم
شارع إدوار سعيد وكلوڤيس مقصود
شارع الشيخ راغب حرب
شارع الرحابنة وفيروز ووديع الصافي
شارع خالد علوان الذي أطلق أوَّل رصاصاته في بيروت في وجه الإحتلال الإسرائيلي
شارع سناء محيدلي " عروسة الجنوب" وسهى بشاره ووجدي الصايغ ونضال الحسنية وعاطف الدنف الذي تحدّى جلّاديه وَقّاد عملية الهروب من معتقل الخيام السيّء الذكر.
شارع الطفل محمد الدرّة الذي أعدمه الإحتلال الإسرائيلي في أحضان أبيه.
شارع عهد التميمي الشهيدة الحيّة التي صفعت جنود الصهاينة بيدها المقدّسة .
وسواهم وسواهم من الذين كتبوا صفحات من العزّ لأجيالٍ لم تولد بعد.
عندها وعندها فقط، نعود إلى صناعة تاريخنا من جديد ونكتب لأطفالنا وشبابنا قصصاً وروايات بالحبربعد أن كتبها هؤلاء بالدم.
عندها وعندها فقط تسقط التماثيل والرموز العفنة ليرتفع مكانها منظومة جديدة من القيم تساهم في خلق الإنسان الجديد الذي يتربّى على القيم والأخلاق الوطنية والقومية ، ذلك الإنسان الذي يفتخر بوطنه ويجاهر بالانتماء إليه.
نحن اليوم أمام عالم جديد يحاول تغيير مؤسساته وأنظمته وقوانينه وتشريعاته ودساتيره من أجل مكافحة العنصرية ولوي عنقها وفتح صفحة جديدة في العلاقات الإنسانية.
العالم بعد اليوم سيكون:
ما قبل George Floyd وما بعد George Floyd.
فإمَّا أن نكون على استعداد لمواكبة هذه التحوّلات التاريخية !!!! أم أنّنا سنلتحق بقافلة ملوك الفرص الضائعة.
القرار بأيدينا نحن.
مجلة وموقع أيام كندية
