المشروعات الصغيرة والمتوسطة: عصب الاقتصاد العالمي بقلم الدكتور/ أحمد البوريني

المشروعات الصغيرة والمتوسطة: عصب الاقتصاد العالمي

بقلم الدكتور/ أحمد البوريني

اعتبر التقرير الصادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الدولية لعام 2019 بأن المشروعات الصغيرة والمتوسطة (SMEs) باتت الشكل السائد للأعمال والتوظيف حول العالم، وأصبحت تلعب دوراً رئيساً وفاعلاً جداً في تعزيز التنمية الشاملة والمستدامة ورفع مستوى المرونة الاقتصادية، مما يسهم في بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

ويشير تقرير المنظمة التي تشكل الدول الأعضاء فيها أكبر اقتصادات العالم وتعنى بما يجري عموماً من أحداث وتفاعلات اقتصادية دولية ، إلى أن الشركات الصغيرة والمتوسطة في البلدان المتقدمة تمثل 99 بالمئة من مجموع الشركات، إضافة إلى تحقيقها 50- 60 بالمئة من العائدات والقيمة المضافة. وفي حين يعمل واحد من كل ثلاثة أشخاص في شركة صغيرة (تضم أقل من عشرة موظفين)، وإثنان من كل ثلاثة أشخاص في شركة متوسطة، فإن ذلك يدل، وبما لا يدع مجالاً للشك، على أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة هي المحرك الرئيسي للتوظيف، لا سيما بعد الأزمة الاقتصادية العالمية؛ مما يؤكد دورها في تحقيق النمو والتماسك الاجتماعي في المجتمعات المحلية، الحضرية والريفية على حد سواء.

وتمتاز الشركات الصغيرة والمتوسطة والتي تنطلق عادة من قاعدة ريادة الأعمال في قطاعات الخدمات، بمرونتها وانخفاض تكاليف إنشائها وتشغيلها واحتياجاتها من الموارد. وفي حين تمكنت تلك الشركات في الآونة الأخيرة من الهيمنة على بعض القطاعات التي تتطلب معرفة علمية وتقنية معمقة كما هي الحال في مجالات التسويق والإعلانات وخدمات التكنولوجيا الرقمية، والأنشطة المهنية والقانونية، فقد تركز عمل المشروعات الصغيرة والمتوسطة أكثر فأكثر في مجال التكنولوجيا والبرمجة وعلوم الكمبيوتر، خاصة بعد أن أسهمت الظروف التي تلت الأزمة العالمية في تحسين أوضاع السوق بالنسبة لتلك المشروعات، مدفوعة بشكل رئيسي بالثقة في مجالات عملها، وزيادة الإقراض المصرفي نسبياً خاصة في الدول المتقدمة.

وعلى مستوى آخر، فقد تمكنت الشركات الصغيرة والمتوسطة المتخصصة عالية المهارات من التفوق في كثير من الأحيان على الشركات الكبيرة. وهو أمر واضح في فرنسا والسويد والمملكة المتحدة وكندا ، حيث الشركات الصغيرة العاملة في مجال الخدمات المهنية والعلمية والتقنية أكثر إنتاجية من الشركات الكبيرة.

ومن أجل دعم الشركات الصغيرة واستمراريتها لا بد من تقديم الدعم الحكومي لها سواء من خلال وضع الأطر والأنظمة والتشريعات الداعمة لها، أو من خلال تسهيل دخولها إلى الأسواق لتعزيز تنافسيتها وريادتها وتحفيز الابتكار لديها. والأهم من ذلك مساعدتها على تجاوز التحديات التي تواجهها عموماً منذ مراحل إنشائها ونموها في تقديم التسهيلات المالية اللازمة، لضمان الحد من ارتفاع تكلفة تأسيس وممارسة الأعمال.

واقع المشروعات الصغيرة في العالم العربي

كشف تقرير لصندوق النقد الدولي أن أن نسبة المشروعات الصغيرة والمتوسطة تمثل نحو 96 بالمئة من مجمل الشركات المسجلة في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وتسهم في توظيف أكثر من نصف القوى العاملة في تلك المنطقة. ومن جانب آخر، أشار تقرير الصندوق الدولي إلى أن أصحاب تلك المشروعات يعانون في كثير من الأحيان من القدرة على الحصول على التمويل المالي مقارنة من نظرائهم في المناطق الأخرى من العالم، ففي حين بلغت نسبة الإقراض للمشروعات الصغيرة في منطقة الشرق الأوسط حوالي 7 بالمئة من إجمالي القروض المصرفية فقد وصلت إلى 12.5 بالمئة في أوروبا وأكثر من 16 بالمئة في منطقة المحيط الهادي، وفقاً لمديرة صندوق النقد الدولي.

أما على مستوى الدول العربية تحديداً فقد تركزت معظم الشركات الصغيرة والناشئة في كل من دولة الإمارات، ومصر والأردن، وفلسطين، حيث شرعت هذه الدول ببناء استراتيجية متكاملة لدعم وإنجاح تلك الشركات ضمن برامجها للإصلاح الاقتصادي والمؤسسي، وذلك لإدراكها لمدى أهمية إسهام تلك المنشآت الصغيرة في دعم الاقتصاد الوطني وتوظيف الأيدي العاملة وتحقيق التنمية الاقتصادية. وفي السياق ذاته دعا العديد من الاقتصاديين في البلدان العربية إلى ضرورة تحفيز البنوك التجارية على تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال إنشاء صناديق مختصة بتمويل هذا النوع من المشروعات.

وتجدر الإشارة هنا إلى أهمية دعم مشاريع ريادة الأعمال التي تنتج في الغالب شركات من هذا النوع. ومن التجارب الكندية الناجحة ضمن هذا الإطار (كمثال فقط) مؤتمر المنظمة الوطنية لرؤوس الأموال في كندا وهي منظمة تتلقى دعماً من الحكومة الفيدرالية، وتعنى بالوصول إلى دعم أفضل الممارسات والموارد وتوجيه رؤوس الأموال نحو تحقيق احتياجات رواد الأعمال الكنديين، وذلك بهدف مساعدتهم على تطوير نطاق عمل شركاتهم الناشئة، وقد استثمر أعضاء هذه المنظمة خلال السنوات القليلة الماضية حوالي 853 مليون دولار لإنشاء 1472 شركة واستحداث أكثر من 7700 وظيفة في كندا. وتقوم فكرة المؤتمر الذي عقدته المنظمة في مدينة هاليفاكس الكندية مؤخراً على أساس تنسيق العلاقة بين أصحاب الأفكار والمشاريع من رواد الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال "المستثمر الملاك"، بحيث تحظى الأفكار المتميزة بدعم وتمويل من جانب المستثمرين.

وفي الختام، أعتقد بأن وضع استراتيجيات وأطر وتشريعات من قبل جميع البلدان لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل عصب الاقتصاد العالمي ربما أصبح أكثر أهمية وإلحاحاً حالياً وخلال المرحلة القادمة أكثر من ذي قبل، حيث يتوقع العديد من المحللين الاقتصاديين حدوث أزمة اقتصادية عالمية بدأت ملامحها تلوح في الأفق. ولا شك بأن الشركات الصغيرة والمتوسطة سوف تعاني بصورة أكبر خلال فترات الركود والأزمات الاقتصادية الطويلة، وذلك بسبب محدودية مواردها المالية واعتمادها على الاقتراض بنسبة فائدة عالية في مثل تلك الأحوال.

مواضيع ذات صلة