صفوان العابد لـ أيام كندية: أتمنى أن أكون حارس التراث الفنّي

صفوان العابد لـ"أيام كندية": أتمنى أن أكون حارس التراث الفنّي
المدرسة الحلبيّة تعبيرٌ سليم وليس فلانٌ مدرسة
دمشق - عامر فؤاد عامر

هو قامةٌ فنيّةٌ ذات خصوصيّة في خطواتها التي جاءت بعد تعبٍ واجتهاد كبيرين، وهو صاحب الهدف النبيل في مشروعه، ونقول عنه فنانٌ مثقف لأنه واعٍ لقراراته التي تتناغم وكلّ مرحلة زمانيّة يعيشها، ونقول أيضاً بأنه صاحب حضورٍ مُهمّ، وقارئ ذكي للجمهور المتلقي، والمزيد من الصفات التي لا تتوفر جميعها في ميّزاتِ شخصٍ يمتهنُ الفنّ في وقتنا الراهن، فهل أتى إلينا "صفوان العابد" من زمنٍ جميلٍ تربى فيه على النغم الأصيل كما عمالقة الفنّ العربي؟!
وأيضاً لا بدّ من تبيان أهمّ صفات الصوت لدى الفنان صفوان العابد، فهو في الدّرجة الأولى صوت فيه نُدرة من حيث النقاء، ويحمل بحّة غير مألوفة في بعض العُرب الصوّتيّة التي يُتقنها، ثانياً لديه من التمكّن ما يدلّنا على مقدرة الأداء الاحترافي، لدرجةٍ يتراءى فيها للمتلقي بأن أيّ أغنية بصوته ستكون مُتقَنة حُكماً، وإضافة إلى ذلك المرونة الصوتيّة، والتي كسبها من العمر المُبكر في ولوج عالم الغناء، وتراكم الخبرة على مدى سنوات عمره، فهو من مواليد مدينة حلب 1962.
وعن حلب، وامتيازها الفنّي من خلال تصدير الصّوت المختلف، يقول الفنان صفوان العابد: "تمتاز حلب بمادّة فنيّة أساسيّة هي الموشّح والدّور والقدّ، وهذه المادّة صنيعة الزمن القديم، فالأصوات الحلبيّة ربيت عليها فجاءت طربيّة بامتياز، وأعتقد جازماً بأن جينات الصوت لدينا مرتبطة بمزيج الثقافة التي تلقتها هذه المدينة منذ أيام طريق الحرير، فأجدادنا عملوا على تطوير الفنّ لا سيّما القدّ والمقام حيث قدموهما بأبعادٍ جديدة، فمثلاً وصلنا مقام الحجاز وكان تطويره أن أصبح منه حجاز كار، وحجاز سينغلا، وغيره، لكن للأسف لم يوثّق التاريخ ذلك في كتاب، بل بقي التوثيق على تناقلٍ شفهي، أو منتشراً في عديد من كتب، إنما ما يمكن التأكيد عليه هو بأن طريق الحرير كان السبب في إيصال هذه الثقافة لحلب، وعَمِلَ الحلبي على تطويرها من دون خدشِ المقام الأصلي".
ويعلّق الفنان صفوان العابد على مصطلح "مدرسة فنيّة" والذي يُطلقه البعض عليه أو على أصوات حلبيّة أخرى مُهمّة: "لكلّ صوتٍ مسيرته وبصمته الخاصّة، ولدينا في حلب شيوخ الوشاحين أمثال عمر البطش، وبكري الكردي، وعلي الدّرويش، ونديم الدّرويش، وعبد القادر الحجّار، وصبّري مدلّل، وكُثرْ غيرهم، وطبعاً هؤلاء جميعاً ليسوا مَدارس بل المدرسة هي "الحلبيّة"، فالجميع تناقل الثقافة الموسيقيّة وحافظ عليها ليسلّم الأمانة لجيلٍ تلاهُ وهكذا، فمثلاً الشيخ عمر البطش وضع الخانات للشيخ سيد درويش، وأظهر الموشح بطريقةٍ مهمّةٍ جداً، أمّا الشيخ بكري الكردي فلُقِبَ ب"عبد الوهاب سوريا"، وكان ملك تصوير المقامات حيث وضع ثلاثة سيغا في سلمٍ واحد لإحدى الألحان، إذاً الأساس أن نقول المدّرسة الحلبيّة لا فلان مدرسة، ولا صفوان، ولا أي اسم آخر، بل كلنا ننهل منها".
ولدى طلبنا منه توصيفاً للمدّرسة الحلبيّة جاء جوابه: "هي جامعة أولى رائدة للمادّة الطربيّة في العالم، وتحتوي على أهمّ منظومة للطرب، والتراث فيها يتناقل من وإلى".
عندما قرر صفوان العابد أن يشق طريقه إلى النور قصد إذاعة حلب، وعمل فيها كمُردّد، أمّا في قدومه دمشق غنى لأوّل مرّة فيها مع الراحل سمير يزبك، وإذا ما أردنا إلقاء ضوءٍ سريعٍ على مسيرته، فسنجد العديد من الحفلات التي أحياها داخل وخارج سوريا كما في دار الأوبرا السوريّة والمصريّة، ومسارح المدينة في تونس، والعديد من مسارح الوطن العربي، كما ألفنا صوته عبر شارات مسلسلات الدّراما السوريّة مثل: الزير سالم، وصدق وعده، والحصرم الشامي، ومقامات العشق، وطالع الفضة، ليصل عددها إلى اثني وثلاثين عملاً، وأيضاً عن نفسه يعتزُ كونه مدرّساً للموشحات في حلب، في نادي شباب العروبة، وطلابه أصبحوا نجوماً لامعة في سماء الوطن العربي أمثال: شهد برمدا، مهند مشلح، حازم الشريف، عبود برمدا، وغيرهم ممن شارك في برامج الغناء على مستوى الوطن العربي، ولربما يليق بقامةٍ مثل صفوان العابد أن يكون مكرّماً في نقابة الفنانين السوريّة أو لينال عضويّة الشرف فيها مثلاً، فمثل هذا التاريخ لا يضفي إلا الغنى والعمق للأغنية السوريّة وتاريخ الفنّ.
وحول المشاركة في الموسم الأوّل من برنامج الغناء "ذا فويس سينيور"، يمكن الإشارة وبحسب ملاحظة الفنان صفوان بأن ضرورة تعريف الناس، سيّما الجيل الجديد، بما تتميّز به المدرسة الحلبيّة من خصوصيّة في القد والموشح هي ضرورة تُشرّع له القيام بهذه المشاركة، فهناك هدفٌ راقٍ في إيصال جزء من حضارتنا عبر هكذا برنامج، ولا بدّ من فائدة شخصيّة استحقها من حيث توسيع دائرة شهرته ومعرفة الجمهور له في الوطن العربي، أمّا عن أغنيته الخاصّة فيضيف: "ما أصنعه للجمهور هو شيءٌ يشبهني، ويحمل دائماً الروح الطربيّة"،  وقريباً هناك مشروع نغمة الحجاز الذي سيقدّم في دار الأوبرا السوريّة، ومع بداية السنة الجديدة سيكون الاستديو الخاص به جاهزاً في حلب، مع تصوير أغنيتين جديدتين، كما أن أغنية "الله حيو" من كلمات نضال بوز، وألحان فتحي الجراح، ستُعرض قريباً على الشاشة السوريّة، وبصدد عرض أغنية خاصّة لقلعة حلب قد تمّ تصويرها أيضاً، وهناك استكمال لمشروع "أنغام من الشرق" المؤلف من عشرة أجزاء لتوثيق الأدوار والقدود والموشّحات.
يذكر أن الفنان صفوان العابد قد نال جائزة الأورنينا الذهبيّة في دورتين من مهرجان الأغنية السوريّة، عن لحن أغنية "فاتني بالهجر مغرم" للملحن عدنان أبو الشامات، وكلمات أغنية "في الهوى" من تلحينه وتأليفه، كما كرّمته الجامعة العربيّة في دار الأوبرا المصرية لتقديمه أهمّ مادّة فنيّة في مهرجان الأغنية العربيّة الدّورة الخامسة عشر، وعن تطلعاته وسعيه الحثيث يتمنى أن يكون من حراس التراث الغنائي الأصيل ليسلّم الراية نظيفة للجيل القادم.

 

 

مواضيع ذات صلة