علاقة التخلف مع الاستبداد والقهر (الجزء الثاني) محمود الجسري.
علاقة التخلف مع الاستبداد والقهر (الجزء الثاني)
محمود الجسري.
في الجزء الأول عرفنا أن العالم المتخلف هو عالم فقدان الكرامة الإنسانية و هو عالم يتحول فيه الإنسان إلى شيء أو أداة أو قيمة رخيصة تعيش في عالم القهر التسلطي ووصلنا لسرد مراحل واقع العالم المتخلف التي يمكن تفصيلها في التالي:
1- مرحلة الرضوخ و الإذعان و هي أطولها زمنا و أبرز ملامحها الإجتياف (من الإدخال للجوف بمعنى تقبل فكرة التبخيس للمقهورين و التعظيم للمتسلط) وفيها يزدري المتخلف ذاته و يزدري غيره لأنهم يعكسون مأساته و عاره و للمرأة النصيب الأكبر في هذه المرحلة من التحقير و التسلط. يتخلل هذه المرحلة عداء خفي من المواطن المقهور يتمثل في تخريب ممتلكات الدولة و التهرب من العمل و أحيانا انتقام خفي من المتسلط بالنكات و التشنيعات.
ينتشر أيضا الكذب و النفاق و الفساد الذي يشمل الرشوة والمحسوبيات و يصبح جزءا من كل شيء و لعبة إلزامية لجميع المقهورين و من يتجنب هذه المنظومة ينظر إليه كأنه ساذج أو غبي.
ينتج عن القهر في مرحلة الرضوخ عقد نقص منها شعور بالعجز، عداء للديمقراطية ، خوف. إضافة لعقد العار و الخجل و هاجس الفضيحة من كل شيء كما يسيطر حب المظاهر على فئات كثيرة.
كما ينتج عن الرضوخ و القهر حالة اضطراب الديمومة وتتلخص في أن طول المعاناة للمقهور تجعله يضخم ألام الماضي مع تأزم في معاناة الحاضر و انسداد افاق المستقبل يرافق ذلك فقد ثقة بالنفس.
خلال فترة الرضوخ يهرب المقهور للماضي المجيد أو ممارسات تنسيه الواقع مثل الزار و المخدرات و التخاريف وغالبا يطغى الحزن على الحالة المزاجية حتى في الأغاني الدارجة و المسلسلات و الكتب و كل شيء حوله.
2- المرحلة الثانية هي الاضطهاد حيث يرتفع التوتر النفسي و يصبح عند المقهور غليان داخلي وعدوانية و حقد على الأخرين من الشعب و يلقي اللوم عليهم بسبب ما وصل إليه يرافق هذه العدوانية المباشرة للشعب عدوانية رمزية للمتسلط.
عبر مرحلة الاضطهاد يميل المناخ العام للعنف و النزاعات المستمرة بين المقهورين لأسباب تافهة و ربما يحصل القتل لخلاف على رأس ماشية أو أفضلية المرور. يرافق هذا شك و حذر من الأخرين و يتحول المجتمع تدريجيا إلى غابة ذئاب.
3- المرحلة الثالثة من مراحل العالم المتخلف هي مرحلة التمرد. حين يرسخ اليأس من الحوار السلمي تبدأ ثورة هدفها رد الاعتبار. حين افترض المستبد أن هذا الشعب لا يفهم إلا بالقسوة و عامله بناء على ذلك حزم ذلك الشعب أمره و عبر عن نفسه بالقسوة لأنه وصل لرد الفعل الحرج في الخيار بين الفناء أو المجابهة.
ومما يميز هذه المرحلة أن قهر فكرة الموت ينسف مشاعر الخوف و يقوم العنف بتوحيد الشعب المقهور.
خلال فترة التخلف هناك ملامح للعقلية المتخلفة تكونت عبر سنين القهر و الاستبداد و تتلخص في:
- سطحية و عجز عن غوص في الواقع.
- الانفعال وعدم التجرد و الموضوعية.
- خصاء ذهني أو فكري Mental Castration يتلخص في صد القدرة على الفهم بسبب الرضوخ للقهر.
- تردد و خوف من الفشل.
- تخبط و عشوائية و عجز منهجي.
- قصور الفكر النقدي و الفكر المنهجي.
- انعدام المثابرة و الدقة.
- قصور التفكير الجدلي. هذا القصور يخلق تصلب ذهني و عدم مرونة(إما-أو).
كل ما ذكر أعلاه هو وليد القهر و الاعتباط و يتناسب مع درجة القهر المفروض على ذلك المجتمع.
و إلى لقاء قادم في الجزء الثالث.