حاكم عربي..حاكم غربي..

حاكم عربي..حاكم غربي.. لا فرق كبير بين الكلمتين سوى نقطة ولكن يا لتلك النقطة!! كم لها من أثر وكم تحدث فرق!! الحاكم العربي، ذلك البطل الهمام القادم من بعيد لينتصر على كل شيئ ويفوز بكل شيئ، وأولى اهتمامته أن ينتصر على شعبه قبل كل شيئ وبعد ذلك يهون عليه كل شيئ. لا شيئ يمنعه من فعل أي شيئ وبإسم السيادة الوطنية ولحمتها يباح كل شيئ، فالسيادة الوطنية بمنظوره هي سيادته الشخصية التي تبيح له أن يسود شعبه ويفترسه وينتهك فيه كل شيئ!! فهو الوطن وهو الشعب وهو كل شيئ، هو الأول والأخر. هو الشريف الأوحد وهو الوطني الأول. هو الذي يرسم بيده المقدسه معالم الوطنية حسب مزاجه فقد وصل لسدة الحكم ولم يبقى بينه وبين الله إلا أقل من شعرة. الحاكم العربي هو الذي يحلل الخيانة إن شاء أو يحرمها كيفما شاء، فكل قواميس اللغة تتبع له ومعاني الكلمات مسخرة لأمره وتأتمر بأمره. كلمة (لا) والعياذ بالله، ليست من مخصصات شعب بأكمله، هي ملكية حصرية للحاكم العربي العظيم ولكنه بالمقابل تراه ينعم على شعبه بملايين كلمات ( نعم) ليكررها ذلك الشعب ملايين المرات دون أن يمل الحاكم من سماعها بل لعل اذنيه لا تسمعه سواها. وكيف لا يدمن الشعب العربي كلمة (نعم) وكلمة ( لا ) عند حاكمه هي التأشيرة إلى جهنم وبئس المصير. ملامح الحاكم العربي: هو حاكم مهاب عزيز قادر مقتدر فارس متمرس يجيد ركوب شعبه في كل وقت وحين وكل ذلك بإسم الوطن والسيادة الوطنية. فهو الصاعد الأول وهو الراكب الأول، هو صاحب الرؤية الصائبة والملهم الأول. هو الفاتح الأول، هو الناصر صلاح الدين الذي لا قبله ولا بعده. نعم، كل حاكم عربي يعتلي سدة الحكم يتخيل نفسه أمام شعبه بأنه ذلك الفاتح ارطغرل، جاء ليخلص البلاد والعباد من مؤامرات لا أحد يعلم خفاياها سواه فهو الملهم وهو المبعوث رحمة للعالمين. بعد السنوات الطوال العجاف من حكم الحاكم العربي وبعد أن يألف الناس طلته ونبرة صوته وخيلائه وجبروته وبعد أن يعتاد الجمهور العريض خطاباته الرنانة وتحليلاته الفذة (بدلا من أن يروا انجازاته) يخيل إليه وإليهم بأن لا حاكم يصلح من بعده. وأن زواله هو حتما زوال البلد وربما العالم بأسره، فيختلط الحابل بالنابل ويحتار الحليم بحلمه ويختلط الأمر على الفهيم والبهيم ويصبح مجرد تخيل هذا الأمر كتخيل يوم القيامة يوم تزهل كل مرضعة عما ارضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وماهم بسكارى ... ولكن عذاب الحاكم العربي شديد. ( استغفر الله مما أقول) هذه الحالة ياسادة التي يسعى الحاكم العربي لإيصال شعبه إليها هي أشبه بالسقوط في الهاوية. وعندما يظن الشعب بأن لا بديل يصلح غير ذلك الحاكم هنا تبدأ النهاية. فصفات الحاكم المستبد والفاشل في إدارة حكمه هو ذلك الذي لم يستغل سنوات حكمه في ارساء دعائم الإستقرار والديمقراطية ولم يكن هدفه بناء مجتمع متماسك صالح للبقاء والإستمرار من بعده ولم يكن همه إسعاد شعبه وتحقيق الإزدهار لبلده بل كان همه طوال فترة حكمه الميمون أن يبقى هو وزمرته ولو كان الثمن تدمير البلد على من فيه. بئس الحكم وبئس الحاكم. ياسادة، إن أبسط مقومات نجاح أي حاكم أو حتى مدير دائرة صغيرة تقوم على أسس معادلة بسيطة أختصرها بمايلي: ( الحكم هو إدارة مصالح الشعب وليس التحكم بإرادة الشعب. والبقاء للشعب دوما واستمرار الحاكم في الحكم مرهون فقط بإرادة الشعب) ولكن للأسف في بلادنا العربية المعادلة مختلفة تماما، فالحاكم العربي يأبى إلا أن يبقى إلى الأبد والشعب المسكين له أجل قصير ومحدود، وبقاء هذا الشعب مرهون بمقدار الذل والخنوع الذي يختزنه. أقول لكل حاكم عربي من المحيط إلى الخليج، ماضرك لو تركت الناس تنعم بحياتها معشار معشار ما تنعم به أنت وعائلتك وحاشيتك. ما ضرك لو تركت الشعب يتنفس بعض نسائم الحرية والديمقراطية في كنفك وتحت إدارتك ورعايتك. ما موقفك أمام نفسك الآن وقد صادرت كل شيئ. وأقترفت يداك وحاشيتك كل شيئ. هل أنت راض عن انجازاتك وعن نفسك الآن؟؟ أنت الآن في موقف لا تحسد عليه ابداً. مشكلتكم أيها الحكام العرب أنكم ابتليتم بحاشية صورتكم على أنكم ألهة مرسلة من السماء ولكنكم تعرفون تماما أنكم لستم كذلك وأنكم مجرد أشخاص عاديين تورطوا بالحكم. سأختم مقالتي بالحديث عن مهاتير محمد، ومن منا لا يعرف ذلك الرجل الذي أمضى 22 عاما كرئيس للوزراء في ماليزيا. 22 عاما فقط من 1981 2002 وما يعنينا الآن من هذه التجربة الفذة مايلي: رغم كل انجازات الرجل التي قدمها لبلاده والتي نجم عنها ثورة حقيقية نهضت بالعباد والبلاد من الحضيض إلى مراتب متقدمة من الإزدهار والرخاء على كل الأصعدة ومع ذلك لم يقل مهاتير محمد لن أرحل عن السلطة! ولم يقل هي حقّي التاريخي وحق أولادي .. وحزبي ..وعشيرتي! لم يقل /مهاتير هي حقي المقدس ورثتها عن أسلافي وسأورثها لسلالتي! متى سيرزق الله الشعوب العربية قائدا مخلصا وعبقريا مثلك يا مهاتير محمد. شتان شتان بين حاكم يحكم شعبه وحاكم يحكمه شعبه فهنا تولد الحرية وهناك تحتضر على يد الجلاد.

معتز أبوكلام

مواضيع ذات صلة