الهيموفيليا ...المرض المحب للدماء
د.محمد فتحي عبد العال صيدلي وماجستير في الكيمياء الحيوية
يعتبر مرض الهيموفيليا (الناعور) من الامراض التي شغلت حيزا كبيرا من اهتمام العلماء عبر التاريخ بحكم الطبيعة الخاصة والشديدة القسوة التي تميز بها هذا المرض وقد تم تخصيص يوم السابع عشر من شهر ابريل من كل عام ليكون يوما عالميا للتوعية والتثقيف حول هذا المرض ..كلمة هيموفيليا تعني سيولة الدم وهي مشتقة من كلمتين يونانيتين هما :haimaتعني الدم وكلمة philiaوتعني الحب وبالتالي فهو المرض المحب للدماء اما التسمية بالناعور وهو جناح الطاحون او الساقية فهو توصيف اخر دقيق لمرضنا فكما لا يتوقف الطاحون او الساقية عن الدوران لا يتوقف الجرح عن اسالة الدماء!!
الهيموفيليا من امراض الدم الوراثية الناتجة عن نقص احد عوامل التجلط في الدم بحيث لا يتخثر دم المصاب بمرض الهيموفيليا بشكل طبيعي وهذا هو السبب الذي يجعله عرضة للنزف في اي جزء من اجزاء جسمه سواء الظاهر او الباطن وخاصة العضلات والمفاصل بشكل تلقائي او عقب اجراء بعض العمليات الصغري مثل خلع احد الاسنان ومن اخطر انواع النزيف الداخليه نزيف الدماغ الذي يصاحبه اغماء وتشنجات وكذلك نزيف المفاصل مثل الكوعين والركبتين وهو من صور النزيف الداخلي الذي لا تظهر آثاره الا بعد فترة من الوقت عندما تتورم المفاصل وتصبح مؤلمة عند ثنيها فيفقد المصاب القدرة علي تحريكها مؤقتا وقد يؤدي عدم علاجها بشكل سريع الي تلفها كما ان الطفل المصاب بالهيموفيليا لا ينزف اسرع من الاطفال الاخرين بل ينزف لمدة اطول ..
تنقسم الهيموفيليا الي ثلاثة اقسام تبعا لعامل التجلط الناقص بكل حالة الي :
- هيموفيليا أ : وهي الناشئة عن نقص عامل التجلط الثامن وهي الاكثر شيوعا وتسمي الهيموفيليا الكلاسيكية فيما تأتي في المرتبة الثانية
- هيموفيليا ب: والتي تنشأ من نقص عامل التجلط التاسع وهي الاكثر انتشارا في منطقتنا العربية ويسمي بمرض كريسماس نسبة الي الكندي (ستيفن كريسماس) اول مصاب به تم تشخيصه ثم تأتي في المرتبة الاخيرة
- هيموفيليا ج: والناشئة عن نقص عامل التجلط الحادي عشر وهو الاقل شيوعا اذا ما قورن بالانواع السابقة.
تعتبر الهيموفيليا من الامراض المرتبطة بالكروموسوم (اكس) وهو من اكثر الكروموسومات غرابة في خريطة الوراثة البشرية من حيث النمط الوراثي وبيولوجيتة الفريدة ومن حيث ارتباطه بالمرض الوراثي وينقلنا هذا المرض الي طبيعة وراثية طريفة جعلت السيدات الاكثر حظا من الرجال علي هذا الكوكب فلقد حبا الله خلايا المرأة بكروموسومين (اكس) مما يمكنها من موازنة اي عيب يطرأ علي احدهما فعند اصابة احدهما يعوض عمله الاخر بينما يوجد لدي الرجال كروموسوم (اكس) واحد وكرموسوم هش واحد يسمي( واي) وهو بمثابة نسخة متآكلة من كروموسوم (اكس) وبه عدد قليل من الجينات ويسمي الكروموسوم الجنسي الذكري مقتصرا دوره علي اعطاء الرجال شكلهم الرجولي لذلك تزداد فرصة اصابة الذكور بالهيموفيليا لوجود نسخة واحدة من كروسوم( اكس ) لديهم وعند اصابته ليس هناك ما يعوضه في حين ان النساء يحملن الموروثة المريضة ولكن يبقين معافيات وغير مصابات بالمرض لذلك فجميع الاولاد الذكور للرجل المصاب بالمرض والمتزوج من امرأة سليمة لا يصابون بالمرض - لان الرجال ليسوا مسؤولين عن نقل الكروموسوم (اكس) ولكن ينقلون فقط كروموسوم (واي) المسؤول عن الذكوره كما اسلفنا- اما الرجل السوي والمتزوج من امرأة حاملة للمرض فان نصف اولادها الذكور يصابون بالمرض ونصف بناتها يحملنه دون ان تظهر اعراضه عليهن سريريا.. لا تتوقف هذه الطبيعة الوراثية الخاصة التي تميز النساء عن الرجال عند هذا الحد بل ان ضعف وهشاشة الكروموسوم واي الخاص بالذكور كما اسلفنا انفا قد يجعل المستقبل القادم للنساء فحسب للعيش بمفردهن علي هذا الكوكب فيما سينقرض الرجال!!! بحسب دراسة استرالية طريفة في هذا الصدد.
وعلي الرغم من ان غالبية الحالات وراثية الا انه يمكن للشخص ان يكتسب الهيموفيليا من خلال طفرة وراثية تلقائية كما يمكن ان يحدث في حالة قيام الجسم بتكوين اجسام مضادة لعوامل التخثر في الدم مما يعوقها عن العمل وهو مايعرف بالهيموفيليا المكتسبة.
تعتبر الهيموفيليا مرض تاريخي عرف عبر الازمنة القديمة دون تسمية فقد ورد بالتلمود كتاب الشعائر اليهودية كما كتب عنه الطبيب العربي ابو القاسم الزهراوي عام 1107 راصدا حالة عائلة بموت ابنائها الذكور بسبب النزيف من جروح بسيطة دون تسمية للحالة.وقد ظهرت التسمية بالهيموفيليا لاول مرة عام 1828 حيث كتبها عالم يدعي هوبف من جامعة زيورخ اما حديثا فيعرف بالمرض الملكي نتيجة لانتشاره بين بنات الملكة فيكتوريا ملكة انجلترا الشهيرة والتي حملت جيناته ومن ثم انتشر المرض بين ثلاثة عائلات ملكية اخري في اسبانيا والمانيا وروسيا نتيجة لعلاقات المصاهرة ..وفي روسيا كان لهذا المرض الملكي محطة فارقة في زوال عرش القيصر نيقولا الثاني فمع مرض ابنه اليكسي بالهيموفيليا استطاع الراهب الشهير راسبوتين ان يوهم نيقولا وزوجته انه قادر علي شفاء ابنيهما وولي عهدهما مستخدما امكانياته الخارقة في الايحاء والتنويم المغناطيسي!! وبالفعل تحسنت حالة اليكسي ويرجع السبب الرئيسي في هذا التحسن بحسب بعض النظريات الي ان العلاج السائد في ذلك الوقت كان الاسبرين باعتباره دواء سحري لكل داء!! مما ادي الي تفاقم الحالة بدل من تخفيفها ومع نصيحة الراهب بايقاف العلاج تحسنت حالة اليكسي الا انه لم يشفي من الهيموفيليا كما زعم الراهب الدجال!!!
يختلف علاج الهيموفيليا باختلاف درجة شدته فعلاج الهيموفيليا الطفيفة ومتوسطة الشدة يكون بواسطة الحقن بهرمون الديزموبريسين وهو هرمون يصنعه الجسم ليحفز انتاج عوامل التخثر المخزنة في الدم ويمكن اعطائه عن طريق الانف اما في حالة الهيموفيليا الحادة فيتم علاجها بضخ البلازما وبالحقن عبر الوريد لعوامل التخثر كما ظهر حديثا العلاج الوقائي الذي يعتمد علي تزويد الدم بكميات من عوامل التخثر بحيث يصبح الجسم في حالة من الجاهزية التامة للتصرف بشكل طبيعي عند حدوث اي نزيف او اصابة وفي عام 2013 اوصت هيئة الغذاء والدواء الامريكية بRixubis(بروتين العامل التاسع)للمصابين بعمر اكثر من 16عاما للوقاية والتخفيف من شدة المرض كما ان هناك عددا من الاجراءات الاحترازية لا تقل اهمية فيراعي بالنسبة الاطفال ارتداء خوذة السلامة عند ركوبهم الدراجات وواقيات الركب والكوع ..
هناك دور هام يلعبه الغذاء فيما يخص مرضي الهيموفيليا فهناك بعض الاغذية التي لها دور بارز في زيادة تخثر الدم ووقف النزيف ومن امثلتها فيتامين ك والذي يتواجد في الاوراق الخضراء كالسبانخ والجرجير والبروكلي والخضار ذات الجذور والفواكه كالكيوي وحليب الابقار والشوفان والكبد ومن الامثلة الاخري فيتامين سي وكذلك الكالسيوم علي النقيض توجد اغذية قد تساعد في زيادة النزيف وسيلان الدم وينبغي تجنبها ومنها :الزنجبيل والقرنفل والكركم والثوم واوميجا 3وفيتامين E.