الحرية في الأحلام بقلم هدى البني

الحرية في الأحلام بقلم هدى البني كغيرها من دول العالم الأول، تعتبر كندا سباقة في ميدان الحريات. تنص لائحة الحقوق والواجبات- المنبع الأساسي للقانون الكندي على احترام الحرية الفردية، وأنَ لكلَ إنسان حقوق طبيعية اكتسبها لمجرد كونه إنساناً، وإلى أبعد من ذلك، تعتبر الغاية من قيام الدولة هي حماية تلك الحريات أو الحقوق الفردية في المعرفة والصحة والضمان والأمن. وتتدخل السلطة الحاكمة تدخلاً إيجابياً (كإلزامية التعليم لغاية الثانوية) لتوجيه الفرد لمصلحته توجيهاً علمياً. وأصدقكم القول بأنه على أرض الواقع ليس كمثل كندا بلد حام لحقوق الطفل والمرأة والعجزة وكرامة المواطن وإنسانيته. لكن هل للمهاجر أن يعيش فيها كما يريد وهل له أن يقول ما يعتقد؟ في ظل البلد الذي يحمي حقوق الأفراد الشخصية يسمح لكل منهم أن يضع لنفسه حدوداً يمنع على الآخرين اختراقها. يفرض على الجميع احترام ما يسمى بـ" الحرية الفردية ". ليس لنا أن نعارض سياسة الدولة بخصوص حقوق الجنسيين المثليين في الحياة المشتركة والزواج؟ لا يحق للمتدينين وخاصة من المهاجرين إعطاء نصائح التوبة والعودة إلى الله وإلى الفطرة لأن الجواب الأول والألطف الذي ينتظر أياً منهم هو " إن لم يعجبك الحال هنا فارجع بسرعة من حيث أتيت، أنت لا تريد أن تتحضر ولا أن تتمدن بيننا وبعيد عنك جداً استيعاب فكرة التعايش مع الآخر" ممنوع أن يعارض العاقلون مشاريع المتحولين جنسياً، وإلى أبعد من ذلك يمنع التجرؤ عليهم بلفظة شواذ. لن أنسى دهشتي قط عند مشاهدتي لمقابلة تلفزيونية مع أحد المتحولين جنسياً الذي قرر بعد 45 سنة من كونه رجلاً أنه قد خلق في القالب الخطأ ثم بعد أن تشاور مع زوجته وابنته مطولاً قررا ً أن ينقلب إلى " مدام" وكان له ذلك. كانت المتحولة الجديدة تتحدث بفرح غامر أنها أخيراً وجدت نفسها! وكانت تذكر على الهواء مباشرة بحقوقها كمواطنة والقوانين التي تحميها من التميز والعنف اللفظي تجاهها. لا يجرؤ أحد أن ينظر إلى شكل أحد عبدة الشيطان نظرة اشمئزاز لأن التميز بأي شكل من أشكاله جنحة يعاقب عليها القانون. ممنوع أن نطلب من كاسية عارية في الشارع أن تتحشم ولو قليلاً، ولا نجرؤ على الطلب من أحد الشبان أن يرفع سرواله قليلاً ليغطي ليته المكشوفة. ليس الرجل حراً فيما يقول ويفعل مع زوجته لأنها كيان وليست متاع، وليس للأهل أن يضربوا أطفالهم تأديباً لأن العنف المنزلي جنحة يعاقب عليها القانون بحرمان الأهل من الأولاد بوضع هؤلاء الأخيرين في مراكز الأحداث. هل نستطيع أن نتحدث عن آرائنا السياسية بحرية؟ في أول محاضرات الترحيب بالقادم الجديد التي التحقت بها في أول شهر من إقامتي، إحدى أهم الملاحظات التي نبهتنا إليها المحاضرة كانت عن الانتباه لعدم التطرق لمواضيع "محرمة" علينا كمهاجرين. ولا أنسى إشارة يدها إلى فمها و كأنها تخيطه عن الكلام بأن لا نتطرق أبداً إلى الحديث عن سياسة كندا الخارجية، و أن لا نثرثر بخصوص انفصال كيبك عن كندا لأن هذا الموضوع يدور حول قضية حساسة هي قضية الولاء للبلد الذي ضمنا بدفء فهل نرد له الجميل بالمطالبة بتقسيمه؟ استرجعت نصيحة هذه المحاضرة بالتفصيل قبل شهر تقريباً عندما أذاع الراديو المحلي خبر وفاة أحد الشخصيات المحلية المرموقة في حادث سيارة مأساوي بعد يوم من إدلائها بتصريحات معادية لدولة ذات نفوذ. ولم تخض الصحافة أكثر في هذا الموضوع. أود هنا أيضاً ذكر أحد الريبورتاجات التلفزيونية التي شاهدتها في إحدى قنوات الأخبار بعنوان محمد النصراني. هي قصة شاب مهاجر أتى من إحدى دول المغرب العربي. كغيره من كثيرين لم يتلقَ أي أدب اجتماعي في مخالطة الناس من كل الأجناس، فهو يسخر كثيراً من الآخرين ويستبق الأحكام على الشعوب (برأيه مثلاً أن كل الإيطاليون مافيا، وأن كل الروسيات عاهرات، و أن كل أهل البلد عنصريون). يثرثر كثيراً في أمور لا يعرفها ويعطي آراء ونصائح مغالطة لكل من يصادفهم دون أن يطلبوها منه، ويلجأ إلى الكذب واللف والدوران بدون أي سبب. وكانت النهاية أن لسانه جنى عليه. قررت السلطات ترحيله من الأراضي الكندية بعد شكوى تلقتها، ولما أتت الشرطة للقبض عليه هرب إلى أول ملاذ صادفه هو الكنيسة ثم اعتصم بها. قرر رجال الكنيسة الأتقياء أنه بما أن الشاب محمد قد استغاث بهم في بيت الرب فعليهم تلبيته وعملوا على ذلك. بقي محمد في الكنيسة ثلاث سنوات متواصلة اعتنق أثناءها المسيحية ولم يتجرأ على الخروج من ملاذه خشية أن تقبض عليه الشرطة. ناضل رجال الكنيسة لكي تعود له إقامته الشرعية في البلاد وحصّلوها لأجله، وهاهو هذا الشاب يبدأ من جديد وأتساءل إذا ما كان سيبقى على اسمه؟!

مواضيع ذات صلة