سفر الخروج

مذكرات مهاجر
 
 
 
سفر الخروج
 
 
اثناء انهاء إجراءات الهجرة لكندا كان فيه حادثتين كان ليهم تأثير سلبي جدا علي. الاولي لما كنت بجيب شهادات معتمدة لابنتي التي كانت في الصف الثالث ابتدائي. ابتدأت بشهادة من مدرسه سان جورج بمصر الجديدة والتي حصلنا عليها بسهولة ومختومة من الراهبة الكبيرة مع تمنياتها لنا بالتوفيق في حياتنا الجديدة. بعدها كان لابد من الحصول علي ختم المنطقة التعليمية وتوقيع مدير المنطقة. ذهبت للمنطقة فقابلني واحد مكفهر ومكشر على طول لدرجة ان وشه دخل في القالب واتشد على كده بحيث انه لو حاول يضحك ممكن وشه يفلق. من النظرة الاولي لخلقته العكرة عرفت انه هيوقف المراكب السايرة واني هدوخ علي الختم. 
 
هو: عاوز ايه يا سيد
 
انا: هوه فين مدير المنطقة؟
 
هو: مش موجود يا سيد
 
انا: امال هوه فين ، ومين بيحل محله في حالة عدم وجوده؟
 
هو: مفيش حد يا سيد! المدير ب يراقب على مدارس مصر الجديدة كلها ومعرفش ممكن يجي امتي؟؟
 
انا: طب لو المدير ده طسته عربية مين هيختم الاوراق؟
 
هوه: ما حدش يا سيد؟
 
انا مشيت ابرطم واسب ام البيروقراطية المصرية و ام الحكومة المصرية و أبو رئيس الجمهورية و مصطفي باشا بتاع "لو لم أكن مصرياً.....". وانا نازل واحد ابتسم لي ومن شكله خمنت انه مخلصاتي وقالي الباشا عاوز ايه؟ قلت له ختم وامضاء المدير. قالي تعالي معايا ودخلني علي موظف قصير جدا وسنكوح جدا عنده انيميا حادة والسر الإلهي ممكن يطلع في أي وقت فقلت له المطلوب بأقصى سرعة لاني حسيت اني في سباق زمني مع عزرائيل. قالي املأ هذا الطلب.. ملأته، امضي هنا ...مضيت. روح بقي البريد وادفع ٥ جنيه وهات وصل من هناك وانا هخلص لك الطلب بكرة؟؟؟ مفيش خزينة عندكم هنا ادفع فيها وخلاص؟ مع الأسف يا باشا. المهم خبطت مشوار للبريد ودفعت واديته الوصل فقالي بكرة تيجي الساعة واحدة الظهر تلاقيها خاصة، قولت له ليك حلاوة كبيرة انت والافندي لما استلم ...وكان
 
 
الحادثة الثانية لما رحت القسم عشان اضيف ابنتي وابني علي باسبور زوجتي. الموظفة شكلها "دبلون" تجارة ولابسة حجاب ووشها عليه غضب ربنا. اديتها بسبوري وبسبور وفاطمة، وشهادة ميلاد الاولاد وشهادة جوازنا وبطاقتي العائلية اللي فيها الاولاد...بصت لي وقالت: كله تمام بس ناقص شهادة من اتنين موظفين في الحكومة ان دول اولادك!!! مقدرتش استحمل الهطل ده ورحت واخد الاوراق ودخلت علي الظابط المسؤل. طلع مقدم ظريف ودمه خفيف، قلت له سيادتك كل الاوراق اللي معايا مستخرجة من وزارة الداخلية ليه بقي حكاية اتنين موظفين يضمنوا ان دول اولادي؟ قال لي متفورش دمك يا هندسة هية الاجراءات كده لكن كل حاجة وليها حل....ضرب الجرس فجاء الشاويش ركضا؛ ايوه يا باشا؟ اندهلي دقدق. الصراحة الفار لعب في عبي من الاسم وافتكرت عادل امام و"سلومة الاقرع" وخفت اكتر لما شفت دقدق شخصيا؛ هلف شلولخ عريض المنكعين لو حطوا تحته دكه يبقي عمارة؟ لكن هديت شوية لما لاقيت علامات الإعاقة الذهنية علي وجهه البريء والذي لا يتناسب مع حجمه. الظابط أشار الي وقال له خد الباشمهندس لحسنين يخلص له طلبه! حاضر يا بيه وضرب تعظيم سلام رغم انه مدني. المهم حسنين اداني عرضحال دمغة وملاني الطلب وراح لمدة دقيقتين ورجع معاه الطلب ممضي من اتنين موظفين (عمرهم ما شافوني ولا يعرفوني) وعليه ختم النسر؛ اديته عشرة جنيه ودقدق خمسة ورجعت بالطلب للموظفة ومن غير ما تقول أي كلمة خدت الاوراق وقالت لي تعالي استلم الباسبور المعدل بكرة لو دفعت مستعجل، دفعت واستلمت تاني يوم.
 
 
الحكايتين دول خلوني قعدت ٦ سنين لم ازور مصر علي ما اتعالجت من القرف الذي اصابني قبل سفري وخلاني لم اجدد الباسبور المصري لحد الان ومحتفظ بيه كذكري فقط لأني مش عاوز اتعامل مع البيروقراطية المصرية اللي في اعتقادي جزء لا يتجزأ من أدوات قمع المواطنين زي الشرطة والجيش والقضاء واللي مهمتهم هي اذلال المواطن وجعله يرضخ لطلبات السلطة العبثية واللا منطقية ويستسلم للقوانين الجائرة ويرضي بالنظام الحاكم وبرئيس يقول له انه طبيب الفلاسفة ويتحمس لاختراع جهاز الكفتة ويصدق قبله زعيم يدعي ان لديه الصاروخ القاهر والظافر اللذان سيقضيان علي اسرائيل ثم صحونا علي اكبر هزيمة في تاريخنا المعاصر. 
 
كل ما كنت اروح لمصلحة حكومية انظر لوجوه الموظفين فأري امامي شخصية "جريجور سامسا" التي جسدها وابرع وصفها الاديب العظيم كافكا في روايته المسخ او "Metamorphosis " والتي تكره عملها وتشعر انها مجبرة على أداء هذه الوظيفة حتى تعيل اسرتها وخنوعها الدائم لما يفرض عليها وتحولها التدريجي من مرحلة الانسانية الي مرحلة الحشرات. والكلمة بالإنجليزية هي رمز لعملية تحول كاملة وحقيقية تنسلخ فيها اليرقة من قشرتها المزيفة لتعيش حقيقتها كحشرة كاملة. هؤلاء الموظفين لا يدركون هذا التحول لأنه بطيء وتدريجي ويتعاملون معه بنفس تعاملهم مع متغيرات حياتهم وفي احلامهم وفي عملهم، أي بمحاولة التكيف مع المعطيات المفروضة عليهم من اعلي دون تفكير في تغييرها وفق رغبتهم وارادتهم؟ حياة عاملتهم كما لو كانوا حشرات الي ان استحالوا فعلا الي حشرات يجري سائل لزج له رائحة كريهة في عروقهم بدل الدماء، هذا هو نتاج أنظمة الاستبداد ...افساد الظالم والمظلوم.
 
 

مواضيع ذات صلة