القواسم المشتركة وحدتنا أم قسمتنا !! بقلم معتز أبوكلام

القواسم المشتركة وحدتنا أم قسمتنا !!

بقلم رئيس التحرير معتز أبوكلام 

سمعت من السيدة بوني كرومبي، عمدة مدينة مسيساغا, إحدى مدن كندا المتعددة الثقافات، أن تعداد الأديان واللغات في كندا يزيد عن مائتي لغة ومائتي دين مختلفين تماما. أضف لذلك مئات أخرى من الجنسيات والثقافات والأعراق والعادات والتقاليد والطقوس المتباينة التي يصعب حصرها في بلد مثل كندا، بعد سماع ذلك، أصابتني الحيرة والدهشة وقلت كيف يتعايش ويتفاهم هؤلاء مع بعضهم البعض في البلد الواحد في ظل هذا الإختلاف والتباين وأين هي القواسم المشتركة التي تجمعهم!!!! والسؤال الذي يحير الحليم هل القواسم المشتركة بين البلاد العربية التي صدعت رؤوسنا من لغة وتاريخ وجغرافيا ودين وتراث وعادات وتقاليد، استطاعت أن توحد العرب أم زادت في فرقتهم؟؟ سؤال محير فعلا.

في هذا السياق سأستعرض برؤيتي البسيطة، تجربتين من الواقع المعاصر.

التجربة الأولى: تجربة العيش في ظل القواسم المشتركة ومثال على ذلك المجتمعات العربية عموما. هذه المجتمعات التي عاشت بل رزحت مئات السنين تحت وهم القواسم المشتركة من لغة وتاريخ وجغرافيا ودين وعادات وتقاليد والتي من المفروض أنها مشتركة والمفروض أنها تقوي ولا تضعف، تجمع ولا تفرق ولكن واقع الحال لم يفضي إلى ذلك وخيبة الأمل تجرعها العرب جميعا ولم تزيدهم تلك القواسم إلا قسما للظهور وتبديدا للطاقات وفتورا للهمم وقتلا للأحلام، فما نفع اللغة المشتركة إذا انعدم التفاهم وما فائدة التاريخ والجغرافية المشتركة، والتاريخ جله مزور والبلاد مقسمة ومفتتة بل والأدهى والأقسى ما فائدة دين مشترك وهناك طوائف متناحرة اختطفت الدين وحولته إلى( تارات)، يتلذذ ويتقرب أصحابها إلى الله زلفا (حسب معتقداتها الواهمة) بإبادة بعضهم البعض وتقتيل بعضهم البعض دون رحمة، هل هؤلاء مؤمنون حقا أم مجرمون فارين من السجون أم مجانين شاردين من المصحات العقلية أم ماذا؟؟

التجربة الثانية: تجربة القواسم الغير مشتركة، والتجربة الكندية خير مثال على ذلك، حيث أثبتت أنها تجربة مبنية على إرساء العدل والمساواة بين الجميع وما يحتاجه أي مواطن للعيش والتعايش في مجتمع كهذا هو قانون عادل يكفل الحقوق والواجبات  للجميع ويسودهم على حد سواء، مجتمع يشعر المواطن فيه بأن الإختلاف والتنوع قيمة مكتسبة، فاليهودي والمسيحي والمسلم والسيخي والبوذي واللاديني والعلماني  وغير ذلك ممن خلق ربي وبرء، كل منهم يشعر بأن حقوقه في ميزان العدل والقانون تعدل حقوق أي مواطن أخر سواء كان حاكما أو مسؤولا أو مواطنا عاديا. وأن هذه الحقوق والواجبات يكفلها القانون الذي يعلو الجميع ولا يعلوه أحد دون النظر في عرق أو دين أو طائفة أو محسوبيات. مجتمع يتمتع بهذه القيم العليا ويتعايش فيه الجميع على إختلافهم بمحاسنهم ومساؤوهم يحق له أن يستمر ويعمر هذه الأرض. وكيف لا يكون له ذلك والعدل أساس الحكم. لقد آن الآوان وربما منذ زمن بعيد لندرك بأن القواسم المشتركة في موازين الحكم والعدل وقيادة الدول تتحول إلى قواسم هدامة لا بناءة وتصبح قيمتها صفرا على الشمال إذا لم تكن مترافقة بقيم العدل والمساواة بين الناس وهذا المبدأ ينطبق حتى على أفراد الأسرة الواحدة، فلا أم تلمهم ولا أب يجمعهم مالم يكونوا قد أنصفوا بعضهم البعض وحفظوا حقوق بعضهم البعض ولم يأكلوها ظلما وجورا. فهل ضيعت أمة العرب البوصلة، وأصابت نفسها في مقتل ولم تدري!!

فعن أي قواسم مشتركة تتحدثون!!

خلاصة القول، لا لغة الضاد تجمعنا ولا دين يعصمنا ما لم يقترن ذلك بقانون عادل يستظل بظله الحاكم والمحكوم على حد سواء دون مواربة أو محاباة لفئة دون أخرى أو طائفة دون أخرى وخلاف ذلك سيبقى الحال من سيئ إلى أسوء. (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ).

مواضيع ذات صلة