|9| اللحن.. (تكوينات) بقلم القاص أ. محمد صباح الحواصلي / أيام كندية

عذبة تلك الألحان التي تنساب من رؤوس أناملها إلى مسامعكَ فيما أنتَ تلهو في أرجاء البيت. 
    أتراكَ تدري ما وراء هذه الأنغام الجميلة من أشجان؟ أتدري ما وراءها من ذكريات تألقت ببراءتها؟ طفلة صغيرة ذات ضفيرتين تسابق الأنسام الرخاء في حقول التوت البري.
    وتدنو الأنغام من الصمت لتنبثق من جديد من أغوار الضلوع الحزينة صاعدة جبال (الألب) الشاهقة. فهناك، في مرتفعاته العذراء، تنبت زهرة (الأيدل فايس) النفيسة. تنفض عن أديمها الثلج الرقيق داعية ضياء الشمس إلى بهائها، تنادي: أما من عاشق يقصدني أنا الزهرة النفيسة التي لم تمسسها إلا خيوط الشمس الذهبية.
    عذبة نقرات أناملها على البيانو، والحوار لا يزال مجهولا في مدارككَ الغضة. إهنأ إذن بالطفولة الرغيدة فما يزال ثمة وقت ريثما يفضي الزمن بمكنونه.
    ويأتي ذاك اليوم الذي عرفتَ فيه أن الأنغام كانت تحكي حكاية وطن مدمر. الوطن الذي ماتت فيه ربوع البراءة وحقول التوت البري. وأن أمكَ أمست بلا أهل. كم أحزنتكَ وحدتها واحتراق مرابع طفولتها.
    "لقد تدمر وطني يا ولدي."
 
    تشتد نقرات أصابعها على البيانو وتهتز مع الإيقاع. أما أنتَ فكنت ترمق النجوم في السماء.. تفرط عقدها ثم تعيد تنظيمه من جديد، فيما كنت تداعب الكون بخيالك الذي حلق بعيداً وراء طفلة ذات ضفيرتين تسابق الأنسام الرخاء في حقول التوت البري. *
▪︎"تكوينات".. مجموعة قصصية كتبها القاص الأستاذ محمد صباح الحواصلي/ أيام كندية، ونُشرت في 23 نوفمبر 2020

مواضيع ذات صلة