هل يدق كورونا ناقوس مجاعة القرن؟ بقلم أ. مروان صواف

هل يدق كورونا ناقوس مجاعة القرن؟ بقلم الإعلامي القدير الأستاذ مروان صواف 
 
هذه أغنيةُ ضد الفاشية، تغنى بها المتظاهرون غداة سقوط الفاشيست، وها هي تعود إلى الحياة مرةً أخرى عبر الواقع الإلكتروني في الزمن الكوروني.. ألا يقال عادةً إن أجمل الأشعار والأنغام تلك التي لم ننشدها بعد؟ 
نعم يقال هذا، ويقال شيءٌ آخر: إن أجمل الأشعار وأجمل الأفكار تلك التي لم نصرح عنها بعد.. فهل أكثر الأحداث هولاً ورعباً تلك التي لم نصل إليها بعد؟ 
لا أطرح السؤال فقط بتأثيرٍ من التصريح الرسمي الذي أدلى به مسؤولٌ باسم منظمة الصحة الدولية في هذه الفترة الصعبة، وإنما أطرحه أيضاً بتأثيرٍ من أشعار الشاعر الكبير ناظم حكمت صاحب مقولة إن أجمل الكلمات و الأفكار والأشعار والأنغام وإن أجمل الروايات والأعمال المسرحية بالتالي تلك التي لم تخرج الى النور بعد.. 
أعترف أن ثمّة قولاً آخر يهيمن على البال والخاطر وينسب عادةً إلى الإمام علي و يتناقله الناس نقلاً عن الصحابي أبي ذرّ الغفاري ومفاد القول: "عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفَه؟".. فكم من السيوف ستُشهر في الأيام القادمة بموجب ثورة الجياع التي يتنبأ بها الكثيرون مع المشهد الأخير من كارثة كورونا عندما يحين وقته؟ وبهذه التداعيات كلٍ يُلحُّ على البال والخاطر سؤالاً آخر: ألم نمارس عدواناً صارخاً على الطبيعة وعلى الفطرة الإنسانية؟ يرى الكثيرون أننا افترسنا الطبيعة ولم نعتدِ عليها فقط، وبالتالي فإن الثمن باهظ وإن كان غير مقروءٍ حتى الآن، والحق أن افتراس الطبيعة والعدوان على الفطرة الإنسانية، الأمران معاً يأخذاني كمتابعٍ عاشق للفن السابع إلى فيلمين سينمائيين شغلا المذاق الإنساني على مدار أكثر من عقد، الأول بعنوان آفاتار فيلم جيمس كاميرون الشهير الذي يتحدث عن إبادة الشعب النافي والقضاء على الأرض والزرع وكل ما هو حيّ بفعل الآلة المتوحشة بإدارة قوةِ متوحشة يخرج من بينها جنديٍ ينشق عن جيشه ويلتحق بأبناء الكوكب الضحية ليقف معهم في معركة البقاء، لقد اعتاد الناس أن يتحدثوا عن الفيلم الأسير لكاميرون تيتانيك الذي يؤكد أن السفينة العملاقة لن تغرق، ولكنها تغرق وفي رحلتها الأولى وتبقى قصة جاك وروز خالدةً على لسان سيلين ديون في أغنية باقية في الوجدان والبال (وسيظل قلبي يخفق)، كم سيظل قلب الإنسانية خافقاً مع إسدال الستار على مأساة الفيروس التاجي كورونا، وهل تُراها سفينة الانسانية بحالها ستغرق وتغوص في الأعماق؟ كان ذاك في تيتانك، وكانت معركة البقاء في آفاتار، ولكني أتذكر فيلما ً آخر يحكي قصة العدوان الآثم على الطبيعة والفطرة الإنسانية، وقد حاز على أكثر من جائزة أوسكار واحدة، إنه فيلم الرقص مع الذئاب فيلم كيفن كوستنر الشهير، حيث ينشق جنديٌ آخر شجاع عن جيشه الغازي الذي تقدم لمحو الهنود الحمر وينضم إليهم في الدفاع لأجل البقاء، هل قصة فيروس العدوان أشد تأثيراً وإيلاماً من قصة الفك على يد الفيروس كورونا وقد وصل الى الرئتين وبدأ عمله المدمر بعد أن مرَّ بالبلعوم مقتحماً الجسد من الفم، الأمثلة كثيرة وفكرة غزو الشعوب بواسطة الفيروس محكية دائماً، خذوا آخر مثال وهو فيلم الإستيلاء على الجنة الذي يحكي قصة كريستوفر كولومبوس وقد حمل معه فيما حمل العتاد و جراثيم الكوليرا عبر الأغطية التي قدمت لتلف حول أجساد الهنود الحمر فقتلت من قتلت في أثرٍ روائي وفي بحث تاريخيٍّ لا ينسى عام ١٤٩٢.. 
بعد أن يهدأ غبار المواجهة ضد الفيروس، ولا يدري المرء متى تحين هذه اللحظة سيما أن الناطق باسم المنظمة المشار إليها يبشرنا بأن الفيروس باقٍ ولوقت طويل، تماماً كما بشرنا رئيس وزراء بريطانيا بأن علينا أن نودع أحبابنا في وقتٍ مبكر، أقول عندما يهدأ غبار المعركة ستبدأ أسئلةٌ كبرى بالظهور في عالمٍ يتقدم تقنياً بشكل هائل ولكنه منهار أخلاقياً واقتصادياً بشكل أكثر هولاً: أقمارٌ في السماء، صواريخُ عبر القارات، في الجوِّ تقدّم وعلى الأرض قهرٌ وفقرٌ وذل وجياع.. من الصعب تحديد معالم المشهد كي نكون علميين، ولكن باستطاعتك أن تتخيل مثلاً بعضاً من معالم هذا المشهد:
 المظهر الأول، مظهرٌ يتصل بالحرية وينبئ عن أن القمع سيزداد بحجة الفصل والمسافة الإجتماعية وليذهب كلٌّ إلى حاله وعلى الكل أن يتفرقوا، ومع ذلك من يضمن أن ثورة الجموع لن تشتاح كل سدٍ أمامها؟ هل يمكن التسليم بأن الغدّ بمجرياته وتفاصيله سيودي بنا إلى حضن المزيد من القمع مثلاً؟  
المظهر الثاني، هل يتحول وحش الطائفية الى وحشٍ ضارٍ أكثر عدواناً وافتراساً لأجسادنا وانسانيتنا، وهو وحش العنصرية، وللأمانة بعضٌ من العنصرية مزروعٌ فينا كالطائفية وبعضها الآخر ذو مظهرٍ عالمي كالعنصرية العرقية، وسأبدأ بالمزروع فينا: يوجعك بصدق مشهدان اثنان تداعيا أمام عيونك عبر البث التلفزيوني النظامي، ونصوص التواصل الاجتماعي على حد سواء ، مشهدٌ بطلته فنانة عربية معروفة وهي من أبناء مجتمعٍ ثريّ وقفت لتقول : لنرمي هؤلاء الوافدين جميعاً في الصحراء، ليخرجوا من بلدنا فهم أصل البلاء الكوروني!؟ ..ثمة معترضون على قولها بالتأكيد من أبناء مجتمعها، ولكن الاعتراض حمل شبهة وهو أننا نخالفها الرأي وكأن العنصرية هي مجرد وجهة نظر.  
وأما المشهد الثاني وهو أشدُّ هولاً بتقديرنا فمسرحه في بلدٍ عربي يقع في القارة الافريقية، رفضت فيه صراحةً أسرة سيدة متوفيه بالكورونا أن يدخلوها مقابر العائلة، بل رفضوا استلام جثتها وتظاهروا في هذه الظروف أمام مصلحة تسليم الجثمان، وهي قضية شغلت الرأي العام العربي، هل المقصود بأن اصابتها بفيروس كهذا عار مثلاً ؟ هل الخوف جرثومي صحي أم الخوف جرثومي أخلاقي؟ ومن الآثار المترتبة عنصرياً التفرقة في حالة العطالة عن العمل ولمن يُمنح التعويض بعد التوقف الاجباري عن الخدمة، فإذا عدنا الى العمل وتخلى البعض عن الالتحاق بوظيفته خوفاً وحمايةً لذاته فإنه يبقى بدون أي تعويض والنقطة المثارة جوهرياً هنا أن العامل غير القادر على العيش من مدخراته وإمكاناته هو غالباً من لون معين ومن طيف معين (من أصحاب البشرة السمراء)، هل تم الفصل هكذا؟!..
رددت الحشود أغنيةً أثيرة حلوة يوم سقطت الفاشية كما أشرنا وقوامها كلمات ثلاث وداعاً أيتها الجميلة، ياله من جمال! فماذا ستردد الجموع في اللحظة التي يخرج بها المحروم من القوت شاهراً على الناس سيفه، وهل يمثل ايذاناً بنزاع سلطة الاستغلال وايذاناً بسقوط النظام الرأسمالي المتوحش الذي ينهش الفقراء؟ 
 
كتبها مروان صواف، مجلة أيام كندية، سان لوران، مونتريال، الأول من رمضان المبارك، الرابع والعشرين من نيسان الجاري، ٢٠٢٠.  
 

مواضيع ذات صلة