كورونا.. خيارات علاجية إعداد د. محمد فتحي عبد العال/ أيام كندية

مع تفشي وباء كورونا في العالم أصبحت المراكز البحثية وشركات الأدوية العالمية في سباق مع الزمن من أجل علاج يضع حدا لهذا الوباء القاتل وينقذ ملايين البشر حول العالم وقد تركزت الأبحاث في الفترة الأخيرة حول ثلاثة من الأدوية أصبحت حديث العالم :
1-الهيدروكسي كلوروكين... دواء ترامب :
 
أوقفت منظمة الصحة العالمية التجارب السريرية الخاصة باستخدام دواء الملاريا الهيدركسي كلوروكين مؤقتا وذلك لتقييم مدى سلامة استخدامه حيث اثبتت بعض الدراسات ارتفاع معدل الوفيات لدى المجموعات التي تلقت العلاج بالهيدركسي كلوروكين بنسبة 18‰ بالمقارنة بالمجموعة التي لم تعالج باستخدامه 9‰ فضلا عن دراسات أخرى تشكك في جدواه لعلاج حالات فيروس كورونا
 
وكانت بداية استخدام الهيدروكسي كلوروكين مع بداية تفشي فيروس كورونا منذ شهور واعلان الصين وفرنسا لفاعليته و تحمس الرئيس الأمريكي ترامب له  واستخدامه له بشكل شخصي للوقاية من كورونا! ليصبح عقار  الهيدروكسي كلوروكين والمعروف تجاريا بالبلاكنيل حديث الساعة حتى الآن وتثار حوله كل هذه الضجة التي لا تتوقف بين مؤيد ومعارض لاستخدامه ... فما هو هذا العقار وما هي آليات عمله وفيما يستخدم؟
كانت البداية لاستخدام هذا العقار عام 1955 للوقاية والعلاج من مرض البرداء او الملاريا وفي أمراض المناعة الذاتية مثل الذئبة الحمراء والتهاب المفاصل الروماتويدي طويل المدى.
الآلية التي يعمل بها الهيدروكسي كلوروكين ليست معلومه بالشكل الكامل ولكن نظريا 
يتطلب دخول الفيروسات المغلفة في الخلايا اندماج الغشاء المحيط بالفيروس مع غشاء الخلية المصابة للسماح بإطلاق الجينوم الفيروسي في السيتوبلازم. وفي حالة COVID-19 فالفيروس يرتبط بمستقبلات للإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2 (ACE2) على سطح الخلايا ثم يدخل الخلية مكملا رحلته المرضية حيث يستغل الخلية لتكون مصنع لاستنساخ ومضاعفة محتواه من الرنا الفيروسي . خطوة اندماج الأغشية الفيروسية والخلوية تحتاج إلى خفض الأس الهيدروجيني الحمضي في فجوة الليسوسوم للخلية ومهمة الهيدروكسي كلوروكين هي رفع الأس الهيدروجيني وبالتالي يمنع الاندماج ودخول الفيروس للخلية. كما يثبط من إنتاج وتحرر السيتوكينات الضارة بالخلايا. 
 
لكن هل يمكن لأي شخص ان يتناول هذا العقار من تلقاء نفسه ودون أن يكون قيد الرعاية الصحية في إحدى المستشفيات؟ 
بالطبع لا فلازال الدواء قيد التجريب حتى الآن إضافة إلى أعراضه الجانبية الضارة في حالة تجاوز الجرعات الآمنة منه ومن هذه الأعراض صعوبات الرؤية والقراءة و اعتلال شبكية العين المرتبط بالجرعة حتى بعد التوقف عن استخدامه لذلك ينبغي فحص العينين بشكل دوري مع استخدامه  وكذلك تغير تصبغ العين وفرط تصبغ الجلد والطفح الجلدي والدوار وفقر الدم  وحب الشباب والكوابيس والاكتئاب   إضافة إلى عدم الانتظام في ضربات القلب كما يقلل مؤقتا من عدد خلايا الدم البيضاء مما يزيد من فرصة الإصابة بالعدوى كما  قد يؤدي إلى انخفاض نسبة السكر في الدم عند تناوله مع بعض الأدوية كما يزيد من سوء حالة كل من الصدفية والبرفيريا. لذلك ينبغي زيادة الوعي لدى الناس بعدم استخدامه وذلك في الدول التي لا تنتوي حذفه من بروتوكلاتها الا تحت إشراف طبي كامل بالمستشفيات   حتى لا يؤدي إلى أضرار جسيمة.
 
 2-افيجان الدواء الواعد
 
هل نحن في نهاية النفق المظلم وبات انقشاع الظلام  وشيكا مع التوقعات الايجابية بشأن العقار الياباني المضاد للفيروسات (فافيبيرافير favipiravir) والمعروف تجاريا ب(أفيجان Avigan). 
كانت المحطة الأولى لتجربة هذا العقار على كوفيد-19 في الصين  ووافقت على استخدامه في التجارب السريرية حيث أحدث نجاحا في تحول نتائج مرضى كورونا من إيجابي لسلبي في غضون أربعة أيام وبحسب الدراسة التي أجريت عليه في ووهان الصينية ونشرت بمجلة medrxiv العلمية فقد تضمنت نجاح العقار الياباني في تخفيف أعراض مرضى كورونا في فترة وجيزة : الحمى في 2.5 يوما  والسعال في غضون 4.6 يوما. 
كيف يعمل هذا العقار وما هي أعراضه الجانبية؟
يعمل (فافيبيرافير  Favipiravir) بشكل انتقائي على منع انزيم بلمرة الرنا الفيروسي (viral RNA dependent RNA polymerase ) دون المساس بالخلايا البشرية.. ويذهب البعض إلى قدرة الفافيبيرافير المفسفر( favipiravir-RTP) —وهي  صورته النشطة— على إحداث طفرة  عن طريق اندماجه بالخطأ باعتباره نيكلوتيده في الشريط المنسوخ من المحتوى الفيروسي مما يمنع دمج النيوكليوتيدات وبالتالي تعطل تضاعف الرنا الفيروسي.
أما  فيما يخص الآثار الجانبية فلا يوجد معلومات كثيرة في هذا الصدد بحكم حداثة الدواء ولكن يحظر استخدامه تماما أثناء الحمل لاحداثه تشوهات على الاجنة بحسب بعض الدراسات التي أجريت على الحيوانات كما أنه قد يسبب أعراضا طفيفة مثل ارتفاع حمض اليوريك في الدم والأسهال وارتفاع انزيمات الكبد.
الغريب ان اليابان اقتصرت على الاحتفاظ بعقار افيجان دون توزيعه في الصيدليات والمستشفيات وذلك منذ إنتاجه الأول عام 2014 كعقار للانفلونزا ووضعت قيودا حول استخدامه ليكون خيارا اخيرا في حالات تفشي العدوى الشديدة والتي تعجز الأدوية الأخرى في التصدي لها وربما كان ذلك راجعا للخشية من أعراض جانبية محتملة إضافة إلى عدم كفاية الأبحاث حوله  وقد استخدم العقار في غرب أفريقيا  لمكافحة فيروس إيبولا لكن فاعليته لم تكن على القدر المنشود ففي تجربة سريرية للتحقق من فاعليته  ضد مرض فيروس إيبولا في غويكيدو، غينيا، خلال ديسمبر 2014 أظهرت النتائج الأولية انخفاضًا في معدل الوفيات في المرضى الذين يعانون من مستويات منخفضة إلى معتدلة من فيروس إيبولا في الدم ولكن خلا الدواء من التأثير على المرضى الذين يعانون من مستويات عالية من الفيروس  وهم الأكثر عرضة لخطر الوفاة..
كما أبدى (فافيبيرافير) فاعلية محدودة ضد فيروس زيكا في الدراسات على الحيوانات. 
ومع اعلان  اليابان على لسان وزير خارجيتها ( توشيميتسو موتيجي) تقديم عقار أفيجان   إلى عشرين  دولة حول العالم  لتوسيع نطاق الأبحاث السريرية لعلاج مرضى كوفيد-19 وقد حصلت مصر على عينات منه وهي بصدد تصنيعه وبالتالي ينبغي أن نعي أننا بصدد علاجا تجريبيا وأننا بالموافقة على استخدامه لا يعني ان العلاج سيكون آمن أو فعال 100‰ فقد تكون هناك آثار جانبية متوقعه وردات فعل سيئة و غير متوقعة  لهذه التجارب السريرية  وقد  تكون التجارب السريرية فعالة كما هو متوقع ومخطط لها وقد لا تكون كذلك ولربما كانت الفترة المقبلة محددة وحاسمة في هذا الصدد.
 
3-الريمديسفير... الرهان القادم 
وافقت منظمة الغذاء والدواء الأمريكية FDA  علي استخدام الريمديسفير لمرضى كورونا  في حالات الطوارئ وهي الحالات التي يعاني فيها المرضى من انخفاض مستويات الأكسجين في الدم او بحاجة لجهاز التنفس الصناعي.
والريمديسيفير من مضادات الفيروسات نظيرة النوكليوتييدات مما يعرقل قدرة الفيروس ذو المحتوى من الرنا على الاستنساخ والتكاثر ويستخدم عن طريق الحقن بالوريد.
وقد فشل العلاج في السابق مع فيروس ايبولا الا انه  أثبت فاعلية ضد سارس وفيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية 
ولا تزال قدرة العلاج الجديد على إحداث نتائج مع كورونا المستجد على الرغم من هذه الموافقة الأخيرة محل شك فقد اعتبر المعهد الوطني الأمريكي للأمراض المعدية ان نتائجة متواضعة على الرغم من إيجابيتها كما أن التجارب الصينية مع هذا العقار في البداية أثبتت فشله.
ومن الأعراض الجانبية له: زيادة مستويات إنزيمات الكبد وانخفاض ضغط الدم والغثيان والقئ والتعرق والرعشة.
 
وفي خضم هذه التجارب السريرية التي لا تتوقف مع هذه الخيارات العلاجية وغيرها يأتي السؤال الصعب.. من سيحصد الفوز؟. سؤال ربما نتلقى اجابته قريبا
د. محمد فتحي عبد العال
 

مواضيع ذات صلة