أمسية حلبيّة في دمشق، وأصوات تشدو القدود في ليلة من ليالي الأنس

أمسية حلبيّة في دمشق ... أربعة أصوات تشدو القدود في ليلة من ليالي الأنس

دمشق – عامر فؤاد عامر

شدت على مسرح دار الأوبر ا في دمشق أربعة أصواتٍ، جاءت من حلب الشهباء، عكست في حضورها صورة عريقة عن الطرب الأصيل والغناء الفاتن لصيرورة الحياة الفنيّة العريقة من تلك المدينة التي صدّرت أجمل الأصوات والألحان للوطن العربي والعالم كلّه، فجمعت في ليلةٍ واحدة ذكريات اللحن الأصيل مع الفرقة الموسيقيّة الحلبيّة بقيادة الفنان "معاذ قرقناوي" فقدّموا أغانٍ عرفها المستمع من مدّرسة الغناء الحلبيّة، غناءً خاصّاً وفريداً، لا بدّ لمن يقصد الاحتراف الفنّي أن يتعلّم منها الكثير وينهل من أصالتها. الفنان "صفوان العابد" أحد أعمدة هذه الحفلة وصاحب الحضور الملفت والصوت الرنّان يقول عن هذه المدّرسة الغنائيّة:

"تمتاز المدّرسة الحلبيّة بمواد أساسيّة هي الدّور، والموشّح، والقدّ، وهذه المواد صنيعة الزمن القديم، امتازت الأصوات الحلبيّة بأدائها جيداً، فالقدّ الحلبي منبعه الأساسي هذه المدينة لأنّها نهاية طريق الحرير وملتقى الثقافات من كلّ الأنحاء، وعنها أخذت الثقافات المحيطة بها، فالمقامات أغلبها جاءت من بلاد فارس وتلقت التطوّر في أبعاد المقام في حلب، ولن ننسى شيوخ الوشّاحين فيها أمثال عمر البطش، وبكري الكردي، وعلي الدّرويش، وصبّري مدلّل، ونديم الدّرويش، وعبد القادر الحجّار وغيرهم". الشيخ "محمود فارس" المُتقن للغناء الصوفي، صاحب الخامة الأصيلة، والتي أذهلت الجمهور في تلك الليلة، فكانت محور حقيقي في بعث الروح وتجدّدها على مسرح دار الأوبرا، عن مشاركته يتحدّث ل"أيام كندية":

"الأداء اليوم كان للموشحات والقدود وليس للغناء الصوفي، لكن من يتعلّم الغناء الصوفي يدرك أن لا فرق بين التراث الفنّي الغزلي والإنشاد الدّيني، وعموماً اللحن بين الذِكْر والغناء التراثي متقارب لدرجةٍ كبيرةٍ، فمن ينشأ في حلقات الذكر يستطيع أن يغني الموشّح والقدّ". الفنان "أحمد خيري" وببراعة الأداء، وثقة الحضور، كان لوحده منارة في التعبير عن القدود الحلبيّة، فامتاز بقوّة الصوت وارتفاعاته، وعن هذه المشاركة يضيف لنا: "الموشّح والدّور والقوالب الغنائيّة العربيّة متعدّدة وكثيرة، وكتاب جامع النفحات القدّسية، لا يقلّ في جمعه عن ألف مقطوعة بين مقطعٍ وقصيدة، و"الهانك" الغنائي لهذا القالب يصلح لأن نشتغل عليه اليوم ونعيد إحيائه من جديد للمستمع، وحلب بالإضافة إلى كونها منبع لكن فيها المزيد من التراثيّات التي تحتاج البحث، والتحريك، والتصدير للناس". الفنان "فؤاد ماهر" وبنغمته الخاصّة والطربيّة كان شدّوه بين الابتداء والاختتام في هارموني من الجمال الخاصّ والوصل المحبّب لكلّ الأسماع، يقول أيضاً عن الرسالة الخاصّة من هذا النوع الغنائي:

"المغزى اليوم أننا نُكمل الرسالة الحلبيّة التي نتوجه بها لكلّ أنحاء العالم، فالشباب الآن بحاجة للإقناع بما نمتلك من تراث أصيل، وحاولنا أن نقدّمه بأسلوبٍ قريبٍ منهم، لكن من دون المساس بجوهر التراث، والمحافظة على الرقي في الأغنية، وعلينا ألا نتوه اليوم في تقديم أنفسنا على أساس أن التراث هو أغنية فقط في اللون الشعبي! بل تجب المحافظة على الصورة الغنائيّة كما هي ومن دون تشويه كما يحدث مؤخراً". الباحث الموسيقي "عثمان حناوي" بدوره يؤكد بأن الغناء الحلبي هو أكاديمية لطالما حافظت على الغناء الأصيل، ولطالما صدّرت اللحن بأرقى أشكاله وأبهى صوره، ويضيف لـ"أيام كندية":

"من يعيش في حلب سيلاحظ أن كلّ بيت في هذه المدينة لن يخلو من صوت فريد، أو عازف ماهر، أو آلة موسيقيّة، فالفنّ في حلب مولود مع الأنفاس، وعادة موجودة منذ القدم مغروسة في نفوس الجميع، بل إن الشيوخ وكبار السنّ تراقب أيّام الموالد والمناسبات الاجتماعيّة الأصوات الجديدة، وتعطيهم الملاحظات، ليبقوا على الطريق السليم، وهكذا نضمن التواصل بين الأجيال، ونحافظ على الرسالة الفنيّة".

مواضيع ذات صلة